للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أهلي ووطني، من غير جدوى في علم، أو حظ‍ من دنيا، فلما سعدت برؤية هذا الشيخ، علمت أن سعيي قرن بسعدي وغربتي اتصلت ببغيتي، وأن عنائي لم يذهب هدرا وان رجائي لم ينقطع يأسا، قلت: هذا الاندلسي كنيته أبو محمد.

قرأت بخط‍ القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني قال أبو حيان: وقد سأله الوزير فقال: أين أبو سعيد السيرافي من أبي علي، واين علي بن عيسى منهما، وأين ابن الراعي أيضا من الجماعة وفلان وفلان، فكان من الجواب: أبو سعيد أجمع لشمل العلم، وأنظم لمذاهب العرب، وأدخل في كل باب، وأخرج من كل طريق، وألزم للجادة الوسطى في الدين والخلق، وأروى للحديث، وأقضى في الأحكام، وأفقه في الفتوى وأحضر بركة على المختلفة، وأظهر أثرا في المقتبسة، ولقد كتب اليه نوح بن نصر (١)، وكان من أدباء ملوك آل سامان سنة أربعين كتابا خاطبه فيه بالامام، وسأله عن مسائل تزيد على أربعمائة، الغالب عليها الحروف وما أشبهها، وباقي ذلك أمثال مصنوعة عن العرب شك فيها، فسأل وكان كتابه مقرونا بكتاب الوزير التغلبي خاطبه فيه بإمام المسلمين (٢٦٧ - و) ضمنه مسائل في القرآن وأمثالا للعرب مشكلة، وذكر كتبا كثيرة، وترددت اليه، ثم قال: وأبو علي فأشد تفردا بالكتاب وأكثر اكبابا عليه، وأبعد من كل ما عداه، مما هو علم الكوفيين وما تجاوز في اللغة كتب أبي زيد (٢) وأطرافا مما لغيره: وهو يتقد بالغيظ‍ على أبي سعيد بالحسد له كيف تم له تفسير كتاب سيبويه من أوله الى آخره بغريبه وشواهده وأمثاله وأبياته، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لأن هذا شيء ماتم للمبرد ولا للزجاج والسراج، ولا لابن درستويه مع سعة علمهم، وفيض نيلهم، ولأبي على أطراف من الكلام أجاد فيها، وحدثني بعض أصحابنا انه اشترى من شرح أبي سعيد بالاهواز في توجهه الى بغداد لاحقا بالخدمة الموسومة به والندامة الموقوفة عليه بألفي درهم، وكان أصحابه يأبون الاقرار به إلاّ من يزعم أنه أراد النقض عليه، واظهار الخطأ فيه، وكان الملك السعيد رضي الله عنه هم بالجمع بينهما فلم يقض ذلك لان أبا سعيد مات في رجب سنة ثمان وستين وثلاثمائه، وأبو علي يشرب ويتخالع


(١) -أمير الدولة السامانية (٣٣١ - ٣٤٣ هـ‍ -/٩٤٣ - ٩٥٤ م).
(٢) -سعيد بن أوس (١١٩ - ٢١٥ هـ‍ -٧٣٧ - ٨٣٠ م) أحد أئمة الادب واللغة من أهل البصرة ووفاته بها وهو من ثقات اللغويين. الاعلام للزركلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>