للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى انقضت النوبة للسلطان الب ارسلان بعد استكمال عشر سنين، الى سنة خمس وستين وأربعمائة، وطلع نجم الدولة الملكشاهية، وظهرت كفاية نظام الملك بعد تقدير الله، في تقرير تلك المملكة، مع اتفاق الوقعة الهائلة للسلطان عند قصدهم ما وراء النهر (١)، وطغاء الخصوم اللد من كل ناحية، وتزاحم الاولاد المستعدين للملك، حتى توطدت أسباب الدولة، واستقام الامر، فصار الملك حقيقة لنظامه ورسما واسما للسلطان، فما كان له إلا إقامة رسم (٢٩٠ - ظ‍) التخت والاشتغال باللهو والصيد، وكان تحمل اليه الاحمال المجلوبة من الاقطار، والدهر وسنان، والسعد جذلان، والنحس خزيان، واستمر على ذلك عشرون سنة اتفقت لهم فيها غزوات الى الروم، وظفر منها بطرف الدنيا من الاموال، والعبيد، والدواب وغيرها؛ ثم نهضات الى الموصل، وحلب وتلك الديار، وحركات الى ما وراء النهر، وكان في أثناء ذلك ظهور خصوم من الاطراف يتمنون أماني فلا يدركونها، ويتحركون عن مواضعهم وكانت عاقبتهم تؤول الى أنهم يتركونها، وكل ذلك بكمال كفاية نظام الملك، وتمهيده القواعد، وبركة أيامه، وسعادة جده.

الى أن انتهى الحال الى الكمال، فما رضيت تلك النوبة المباركة، والدولة الميمونة الا وان تختم بعاقبة تليق بها، وما كانت الا الشهادة. فأدركه قضاء الله في شهر رمضان شهيدا، ووجئ في الطريق بين أصبهان ومدينة السلام ليلة، ومضى الى رحمة الله سنة خمس وثمانين وأربعمائة وما كانت الا زوال بركته وحشمته حتى تغيرت الامور واضطربت المملكة، وتشوشت أمور العالم، ونسيت تلك الرسوم، وما ركدت بعد سنين آثار النائرة. والظن انها لا تعود الى مثل ذلك والله أعلم.

قال أبو سعد: سمع بأصبهان أبا مسلم محمد بن علي بن مهر برد الاديب وأبا منصور شجاع بن علي بن شجاع المصقلي، وبنيسابور أبا القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، وأبا أحمد بن أحمد بن الحسن الازهري، وخلقا يطول ذكرهم.

روى لنا عنه عمي الشهيد أبو محمد الحسن بن منصور السمعاني، وأبو بشر مصعب بن عبد الرزاق المصعبي بمرو. وأبو نصر محمد بن محمود الشجاعي بسرخس


(١) -انظر كتابي مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية:٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>