للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الى الشروع في رسوم الاستيفاء، فلم يزل الدهر يعلو به، وينخفض حضرا وسفرا. وكان يطوف في بلاد خراسان، ووقع الى غزنة في صحبة بعض المتصرفين الى أن تنبه بخته. وحان وقته، ووقع في شغل أبي علي بن شاذان المعتمد عليه ببلخ من جهة الأمير جغري حتى حسن حاله عند ابن شاذان. وظهر أثر خدمته. ولاحت آثار كفايته، وصار معروفا عند ذي أمره، الى ان توفي أبو علي بن شاذان، فذكر أنه أوصى الى الملك الب ارسلان، به، وذكر له كفايته وأمانته واستصلاحه لشغله، فنصبه مكانه، وصار وزيرا له. والحال بعد مستورة، والدولة مغمورة الى ان انتهت الدولة الركنية (١) نهايتها، وكانت ولاية مرو لالب ارسلان ملكا، وهو الوزير المتمكن من الامر، فاتفقت وفاة طغرلبك، ولم يكن له من الاولاد من ينوب منابه، فتوجه الامر الى ألب ارسلان، وتعين للسلطنة، فتحرك عن مرو، والوزير يرتب أمره. ويرتب قواعد ملكه حتى زحف الى نيسابور. والى العراق، وخطب له على منابر خراسان، والعراق.

وارتفع أمر الصاحب. وصار سيد الوزراء. صافيا له الورد من سنة خمس وخمسين وأربعمائة. وانقضت أيام فترة المذاهب والرسوم الممقوتة في الدولة الماضية. وأظهر الله مكنون سره في دولة نظام الملك (٢٩٠ - و) فجرى له من الرسوم المستحسنة، ونفي الظلم، واسقاط‍ المؤن والقسم، وحسن النظر في أمور الرعية، وتقدير المعاملات على سنن الانصاف والعدل. وضبط‍ الامور، واستقامت الاحوال، ورتبت الدواوين أحسن ترتيب، وتزينت الاقطار بآثار العدل والانصاف، وكان من أكفى الكفاة والسلطان من أعدل الولاة، فصفي العيش واطردت التجارات، وأهلت الطرق، وقل أهل العيث والفساد، وأخذ الوزير في بذل الصلات وبناء المدارس والمساجد والرباطات وتحصين العمارات بالاوقاف الدارة، وتزيين المدارس بخزائن الكتب المودعة فيها، المشتملة على نفائس الاعلاق؛ ثم اسكان البقاع طلبة العلم والمدرسين في كل فن من الفنون. وكل ذلك من الاسباب الموثقة للملك، والبذور.


(١) -أي دولة طغرل بك أول سلاطنة السلاجقة الذي خلفه الب ارسلان. انظر كتابي مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية:١٢٣ - ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>