للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي القاسم، فسرت الى ميافارقين، فكان يسر حسوا في ارتغاء (١)، قال لي يوما:

لي أيام ما رأيتك؟ قلت: أعرضت حاجة؟ قال: لا، أردت أن ألعنك، قلت فالعني غائبا، قال: لا في وجهك أشفى، قلت: ولم؟ قال: لمخالفتك إياي فيما تعلم، وقلت له: ونحن على أنس بيني وبينه: لي حرمات ثلاثة: البلدية، وتربية أبيه لي، وتربيتي لأخوته، قال: هذه حرم مهتكة: البلدية نسب بين الجيران، وتربية أبي لك منّة عليك، وتربيتك لأخوتي بالدنانير والخلع، أردت أن أقول له: استرحت من حيث تعب الكرام، فخشيت جنونه، لأنه كان جنونه مجنونا، وأصح منه مجنون، وأجنّ منه لا يكون، وأنشد:

جنونك مجنون ولست بواجد … طبيبا يداوي من جنون جنون

بل جن جنانه ورفض شيطانه.

به جنّة مجنونة، غير أنها … إذا حصّلت منه ألبّ وأعقل (١٨ - ظ‍)

قال: وكان أبو القاسم ملولا والملول ربما ملّ الملال، وكان لا يملّ أن يمل ويحقد حقد من لا تلين كبده ولا تنحل عقده، قال: وقال لي بعض الرؤساء:

أنت حقود ولم يكن حقودا، فقلت له: أنت لا تعرفه، والله ما كان يحنى عوده، ولا يرجى عوده، وله رأي يزين له العقوق ويمقتّ إليه رعاية الحقوق، بعيد من الطبع الذي هو للصدّ صدود وللتألف ألوف ودود، كأنه من كبره قد ركب الفلك واستوى على ذات الحبك (٢)، ولست ممّن يرغب في راغب عن وصلته، أو ينزع الى نازع خلته، فلما رأيته ساردا جاريا في قلة انصافي على غلوائه، محوت ذكره عن صفحة فؤادي، واعتددت ودّه فيما سال به الوادي، وأنشدت الرجل أبياتا أعتذر فيها عن قطعي له:


(١) -مثل يضرب في باب التعريض بالشيء يبديه الرجل وهو يريد غيره، وأصله الرجل يؤتى باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها، فيشربها وهو في ذلك ينال من اللبن. انظر كتاب الامثال لأبي عبيد القاسم بن سلام:٦٥.
(٢) -ذات الحبك هي السماء. المرصع لابن الاثير-ط‍. بغداد ١٥١:١٩٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>