للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يابسة، ثم من خوصة مهينة ضعيفة غير متينة، حتى اذا برزت من الأرض، وظهرت للهواء المحض، ونشأت فيها صنعة التلوين بتقدير ذي القوة المتين، نهضت نهوض المسرع الحثيث وعدت من الودي والجثيث (١)، ثم انثعلت بالكرب (٢) وأنسغت بالقلب، وانتشرت بخضر العواهن (٣)، وقعدت في أزكى الأماكن، ثم ألمت، وتزعزعت واهتجنت وأينعت، واشتملت بملاحف الليف، وسهلت سبيل ممتاحها بدرج الكرانيف (٤)، وصارت من الصنوان وغير الصنوان، وظهرت في أحسن القوام والألوان، وأبرزت طلعها الهضيم فتبسم عن اللؤلؤ النظيم، وتدلت عثاكيل الاعريض وشماريخ الغضيض في العراجين المخضرة والأهن المصفرة (٥)، فتغير بالهواء كونها، وحال عن البياض لونها، وأجنت طلعها غضة مهوة (٦)، وبدلتها بيضاء معوة (٧)، ثم أتت بالعجب العجاب، وتضوعت عن ريا الشباب، وتراءت خاضبه في أحسن منظر، وتشبهت ناصعة بالزبرجد الأخصر حتى اذا ما الصيف منحها أرواحه، ونقل عليها مساءه وصباحه، وطبخها (١٢٥ - و) حر الهجير، ولونها صنع القمر المنير تهادت في حللها المصفرة، ورياطها المحمرة، وتبرجت بغرائد عقودها، وأذنت بانجاز موعودها، وأظهرت الزهو بعد الشقح (٨)، وتزعفرت غبّ اخضرار البلح، وتنقلت بلطيف التدبير في بديع التصوير، وتجلت في حليها بحلى العرائس، ولبست من ثمارها أزين الملابس، وراقت عيون الناظرين، ووعدت أنامل الخارفين (٩)، وفاخرت طيب الأكال، وشارفت غاية الكمال، فلان من ثمرها ما كان صلبا، وسهل منه ما كان صعبا، وساغ لمجتنيه وأنعم قرى متضيفيه، وصارت من أكرم الزاد، وعدت من


(١) -كتب ابن العديم في الهامش: هما الفسيل.
(٢) -الكرب: أثارة الارض للزراعة-القاموس.
(٣) -العواهن: السعفات التي يلين القلب، والقلب الخوص الابيض-القاموس التلخيص للعسكري:١/ ٤٨٧.
(٤) -أصول الكرب تبقى في الجذع بعد قطع السعف. القاموس.
(٥) -العثكول: العذق أو الشمراخ. وهو ما يتعلق عليه البسر، والعرجون أصل ذلك، وفي أصل العذق الاهان. القاموس. التلخيص للعسكري:١/ ٤٨٧.
(٦) -المهو: الرطب. القاموس.
(٧) -المعو: الرطب أو البسر عمه الارطاب.
(٨) -اذا تغيرت البسرة قيل هذه شقحة قد بدت، فاذا ظهرت الحمرة والصفرة قيل: قد ظهر الزهو. التلخيص للعسكري:١/ ٤٨٧.
(٩) -خرف الثمار: جناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>