هل أعطي أحد مثل ما أعطيت، وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه، فقال له: أيها (١٩ - و) الملك إنك قد سألت عن أمر أفنأذن في الجواب؟ قال: نعم، قال أرأيتك هذا الذي قد أعجبت به أهو شيء لم تزل فيه، أم هو شيء صار إليك ميراثا عن غيرك، وهو زائل عنك، وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: فكذلك هو، قال: أولا أراك إنما أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا، وتغيب عنه طويلا، وتكون غدا بحسابه مرتهنا؟ قال: ويحك أين المهرب، وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة ربك على ما ساءك وسرك ومضك وأرمضك وإما أن تضع تاجك وتضع أطمارك وتلبس أمساحك وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك؟ قال: فإذا كان السحر فاقرع على بابي فإن أخترت ما أنا فيه كنت وزيرا، وإن اخترت خلوات الأرض وفقر البلاد كنت رفيقا لا تخالف، فلما كان السحر قرع عليه بابه فإذا هو قد وضع تاجه ووضع أطماره ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة، فلزما والله الجبل حتى أتتهما آجالهما، وذلك حيث يقول أخو بني تميم عدي بن زيد العبادي:
أيها الشامت المعير بالدهر … أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من … الأيام بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلدن أم من … ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى كسرى الملوك … أبو ساسان أم أين قبله سابور (١٩ - ظ)
وبنو الأصفر الكرام ملوك … الروم لم يبق منهم مذكور
وأخو الحضر (١) … إذ بناه وإذ
دجلة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وخلله كلسا … فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد … الملك عنه فبابه مهجور
وتأمل رب الخورنق إذ … أشرف يوما وللهدى تفكير
سرّه حاله وكثره ما يملك … والبحر معرضا والسدير
فارعوى قلبه وما غبطة … حي إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والملك … والأمة وارتهم هناك القبور
(١) -كانت العرب تسمي ملك الحضر باسم الضيزن، ونشرت في بغداد دراسة جيدة عن الحضر وآثارها من أعداد: فؤاد سفر ومحمد علي مصطفى بغداد ١٩٧٤.