الكوفة متنزها إذ حضره أعرابي فقال: يا أعرابي أين تريد؟ قال: هذه القرية -يعني الكوفة-قال: وماذا تحاول بها؟ قال: قصدت خالد عبد الله متعرضا لمعروفه، قال: فهل تعرفه؟ قال: لا، قال: فهل بينك وبينه قرابة؟ قال: لا ولكن لما بلغني من بذله المعروف، وقد قلت فيه شعرا أتقرب به إليه، قال خالد: فأنشدني ما قلت: فأنشأ يقول:
إليك ابن كرز الخير أقبلت راغبا … لتجبر مني ما وهى وتبددا
إلى الماجد البهلول ذي الحلم والندى … وأكرم خلق الله فرعا ومحتدا
إذا ما أناس قصروا بفعالهم … نهضت فلم تلفى هنا لك مقعدا
فيالك بحرا يغمر الناس موجه … إذا يسأل المعروف جاش وأزبدا
بلوت ابن عبد الله في كل موطن … فألفيت خير الناس نفسا وأمجدا
فلو كان في الدنيا من الناس خالد … لجود بمعروف لكنت مخلدا
فلا تحرمني منك ما قد رجوته … فيصبح وجهي كالح اللون أربدا
فحفظ خالد الشعر، وقال له: انطلق صنع الله لك، فلما كان من غد دخل الناس الى خالد واستوى السماطان بين يديه، تقدم الأعرابي وهو يقول:
إليك ابن كرز الخير أقبلت راغبا
فأشار إليه خالد بيده أن اسكت، ثم أنشد خالد بقية الشعر، وقال له:
يا أعرابي قد قيل هذا (٤١ - ظ) الشعر قبل قولك، فتحير الأعرابي وورد عليه ما أدهشه، وقال: تالله ما رأيت كاليوم شيئا لخيبة وحرمان، فانصرف وأتبعه خالد برسول ليسمع ما يقول، فسمعه الرسول يقول:
ألا في سبيل الله ما كنت أرتجي … لديه وما لاقيت من نكد الجهد
دخلت على بحر يجود بماله … ويعطي كثير المال في طلب الحمد
فحالفني الجد المشوم لشقوتي … وقاربني نحسي وفارقني سعدي
فلو كان لي رزق لديه لنلته … ولكنه أمر من الواحد الفرد
فقال له الرسول: أجب الأمير فلما انتهى الى خالد قال له: كيف قلت؟ فأنشده، ثم استعاده فأعاده ثلاثا إعجابا منه به ثم أمر له بعشرة آلاف درهم.