للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متوجه الى بغداد أرجو دنيا ولا تقدما على العساكر، وإنما أريد أن أبذل نفسي في سبيل الله تعالى وأرجو أن أنفع المسلمين وأموت شهيدا فلعل الله أن يكفر عني ما اقترفته فيما مضى من عمري وأقام على هذه النية يقصر الصلاة اعتقادا منه أنه يقيم أياما يسيرة يتجهز فيها، ثم يتوجه الى وجهته، فلما وردت الأخبار بأن التتار قد ضايقوا بغداد أشار عليه جماعة من أصحابه أن يتثبط‍ ريثما يتحقق أمرها فقال: أنا قد بعت (٢٩٤ - و) الله نفسي فما أرجع فيما بيني وبين الله تعالى، فلما وصلت الأخبار بأن التتار قد أخذوا بغداد وتواتر ذلك، أظهر بعض الناس أن الخليفة قد نجا بنفسه والتحق بالعرب، فقال لا بد لي من اللحاق به فإن له بيعة في عنقي وقد أمرني بأمر وما يمكنني مخالفته، والذي يخشاه الناس في ذلك هو القتل، وأنا أتمناه فإن الموت لا بد منه وقد حان حينه، فإن هذا الشيب كما تروه فأحسن ما كان الموت بأيدي المشركين في سبيل الله تعالى، فلما تحقق أن الخليفة أخذ فيمن أخذ توجع لفوات ما أمله، وقال: ما كنت أرجو إلاّ أن أكون بين قتلى المعركة ولكن ما يريده الله هو الكائن.

قال لي ولده الحسن: فجزاه الله بنيته وآتاه الشهادة فانه مات بالطاعون، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اتفق عليه الامامان عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الطاعون شهادة لكل مسلم (١).

قال لي ولده: وحدثت أنه سأل الله عز وجل ذلك قبل مرضه بيوم أو يومين، فإنه حدثني الحاجي عبد الله بن فضل بن ردّاد وفارس بن آق سنقر بن عبد الله الأمجدي قالا: كنا جالسين عند والدك رحمه الله أيام اشتداد الوباء عقب كائنة بغداد، فتسخطنا بالوباء، وقلنا: هذا سخطة أرسلها الله على الناس، فقال: لا تقولوا هذا فإن الطاعون لما وقع بعمواس (٢) قال بعض الناس هذا رجز، هذا الطوفان الذي بعث على بني اسرائيل، وبلغ ذلك معاذا فقال: يا أيها الناس لم تجعلون دعوة


(١) -انظره في جامع الاصول:٧/ ٥٨١ (٥٧٣٤).
(٢) -سنة ١٨ هـ‍، في فلسطين قرب القدس وفيه مات ابو عبيدة بن الجراح وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>