للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبيكم، ورحمة ربكم عذابا وتزعمون أن الطاعون هو الطوفان الذي بعث على بني اسرائيل (٢٩٤ - ظ‍) وإن الطاعون لرحمة من ربكم رحمكم بها، ودعوة من نبيكم لكم وكفت الصالحين قبلكم، اللهم أدخل على آل معاذ منه نصيبهم الأوفى فطعن عبد الرحمن بن معاذ وامرأته، ودخل عليه معاذ يعوده فقال: أبني كيف تجدك؟ قال يا أبة «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» (١)، فقال: يا بني «سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ» (٢)، فمات الفتى وامرأته، وطعنت امرأتان لمعاذ فماتتا في يوم واحد، فأقرع بينهما فقدم احداهما قبل صاحبتها في القبر وطعنت خادمه وأم ولده فتوفيتا فدفنهما، حتى إذا لم يبق غيره طعن في كفه بثبرة صغيرة كأنها عدسة، فجعل ينظر إليها ويقول: إنك لصغيرة، وإن الله ليجعل في الصغير الخير الكبير، ثم يقبلها ويقول: ما أحب أن لي بك حمر النعم، فلما نزل به الموت فجعل يغتّ به ثم يغمى عليه، ثم يتنفس عنه فيقول غم غمك، فوعزتك إنك لتعلم أني أحبك، ثم يقول:

جرعني ما أردت.

قال الحسن بن داوود: قالا لي: فلما فرغ والدك من هذه القصة رفع يديه مبتهلا وقال: اللهم اجعلنا منهم وارزقنا ما رزقتهم، فأصبح من الغد أو من بعد الغد مريضا، وكنت أنا غائبا عنه فلما بلغني مرضه جئت إليه فإذا هو يشكو ألما شديدا بجنبه الأيسر بحيث لا يستطيع الاضطجاع، وكان يقول أحس في جنبي مثل الطعن بالسيف، ولم يزل كذلك أربعة أيام وليلة الخامس الى السحر لم يذق النوم إلاّ إغفاء نسند رأسه بأيدينا، ثم وجدنا خفا واضطجع ونام وأصبح بارئا، وبقي على ذلك يومه وليلته، فلما أصبح في اليوم السادس شكا ألما خفيفا بجنبه الأيمن، وأخذ في التزايد يومه وليلته فتحقق في (٢٩٥ - و) اليوم السابع أنه طاعون، واشتد الألم وعاد كما في المرة الأولى، وانحطت قواه فلما كان بين الصلاتين كنت جالسا عنده وقد أغفى فاتتبه ترعد فرائصه وأشار إليّ أن أقترب منه، فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والخضر عليه السلام وقد جاءا إليّ يعوداني فجلسا عندي ثم انصرفا، فلما كان أواخر النهار قال لي: ما بقي في رجاء فتهيأ في تجهيزي، فبكيت


(١) - سورة البقرة-الآية:١٤٧.
(٢) - سورة الصافات-الآية:١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>