للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فخاض وعبر ووقف يشق خفه حتى نزل منه الماء، وقد تبعه مماليك المسترشد إلى ذلك الموضع، فسألوا العجوز فضيعتهم عنه الى موضع آخر فلم يقدروا عليه، وانحدر الى أن لحق بالعرب والتفّ بهم، وظهر بالبصرة بعد سنة فدخلها وهرب أمير البصرة، ودخل دار الإمارة وحكم وقال: أتدرون من نصحني والله ما نصحني غير ابن العودي الشاعر فإني لو قبلت منه ذلك اليوم وقتلت الذين سيرهم المسترشد للصلح لبقي المسترشد مدة حتى يحصل رجالا مثل أولئك يعتضد بهم، ولما رجع دبيس الى العراق ملّك العجوز أم الأمين القرية وهي تعرف (٣١١ - و) الآن بها.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الشريف الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: دبيس بن صدقة بن منصور ابن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي أبو الأغر من ملوك العرب، وكان فاضلا مهيبا كريم الأخلاق، ولعل ما أنجبت عرب البادية بعده بمثله، وقد ترامت به الأسفار الى أكناف الأمصار، وتقلبت به الأحوال الى ارتكاب الأهوال، ورد بلاد خراسان، وجال في أطرافها مدة في ظل السلطان سنجر بن ملكشاه، وكانت خاتمة أمره أن فتك به في قصر السلطان، وختم به شرف بيته.

قلت: هذا قول أبي سعد السمعاني، ولعله رحمه الله لم يبلغه خبر دبيس واتفاقه مع الفرنج على حصار حلب، وبذله أموال المسلمين وأنفسهم لأعداء الدين على ما ذكرناه وبيناه، ولو بلغه هذا الفعل المستهجن القبيح الذي لا يصدر عن من خلص ايمانه، وإن جرى بلفظ‍ الشهادة لسانه، ولا يقع إلاّ من سخيف الرأي سيء التدبير، لما قال: ولعل ما أنجبت عرب البادية بعده بمثله، وقال: وختم به شرف بيته، هذا مع علم دبيس أن البغدوين ملك الفرنج كان مأسورا في حبس بلك بن أرتق، وأن تمرتاش أطلقه من الأسر وهادنه على أن لا يخرج عليه فغدر بالهدنة مع تمرتاش والمسلمين، ولم يف له بما استقر معه في اليمين، ولعل البغدوين لو تسلط‍ على حلب لما وفى لدبيس بما كان قرره معه من ملك المدنية، ولعمري لقد محا دبيس شرف أبيه صدقه، ومكارمه المحققة ومآثر آبائه (١) (٣١١ - ظ‍) وأجداده


(١) -هذا موقف رائع قلما نجده عند مؤرخ آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>