فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رحم الله قس بن ساعدة إني لأرجو أن يأتي يوم القيامة أمة وحده»، فقال رجل من القوم: يا رسول الله، لقد رأيت من قس عجبا، قال:«وما الذي رأيت؟» قال: بينا أنا يوما بجبل في ناحيتنا يقال له سمعان في يوم قائظ شديد الحر، إذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة عندها عين من ماء، وإذا حوله سباع كثيرة قد وردت، وهي تشرب من الماء، فإذا زأر سبع منها على صاحبه، ضربه بيده، وقال: كفّ حتى يشرب من الذي ورد قبلك، فلما رأيته وما حوله من السباع هالني ذلك، ودخلني رعب شديد، فقال لي: لا تخف، لا بأس عليك إن شاء الله، وإذا (١٦٥ - ظ) أنا بقبرين، بينهما مسجد، فلما أنست به قلت له ما هذان القبران؟ قال: هذان قبرا أخوين كانا لي يعبدان الله في هذا الموضع، واتخذت فيما بينهما مسجدا أعبد الله فيه حتى ألحق بهما، ثم ذكر أيامهما وفعالهما، فبكى ثم قال:
خليلي هبّا طالما قد رقدتما … أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تعلما أني بسمعان مفرد … وما لي فيها من حبيب سواكما
أقيم على قبريكما لست نازحا … طوال الليالي أو يجيب صداكما
أبكيكما طول الحياة وما الذي … يردّ على ذي لوعة إن بكاكما
كأنكما والموت أقرب غاية … بروحي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية … لجدت بنفسي أن تكون وقاكما