للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الى ليل، ثم طولبت بالمسير الى الثغر، فسرت حتى دخلت فومه (١). ووافق ذلك يوم جمعة، فوجدت في صحن الجامع قاصا يتكلم على الناس، وحونه حلقة، فوقفت بينهم أسمع ما يقول فذكر قصة زكريا عليه السلام والمنشار، وما كان من خطاب الله عز وجل له حين هرب منهم، فنادته الشجرة: إليّ يا زكريا، فانفرجت له فدخلها وانطبقت عليه، ولحقه العدو فتعلقوا بعباءته، وناداهم الشيطان إليّ، فهذا زكريا، فأنّ، فأوحى الله اليه: يا زكريا لئن صعدت منك أنّه ثانية لأمحونك من ديوان النبوة فعض زكريا عليه السلام على الصبر حتى قطع بشطرين فقلت في نفسي: لقد كان زكريا صبّارا، إلهي وسيدي لئن ابتليتني لأصبرن وسرت حتى دخلت أنطاكية فرآني بعض أخواني، وعلم أني أريد الثغر فدفع الي سيفا وترسا للسبيل، فدخلت الثغر وكنت حينئذ أحتشم من الله عز وجل أن آوي وراء سور خيفة من العدو، فجعلت مقامي في غابة، فأكون فيها بالنهار وأخرج بالليل الى شط‍ البحر فأغرز الحربة على الساحل (٨١ - و) وأسند الترس اليها محرابا، وأتقلد سيفي وأصلي الى الغداة، فاذا صليت الصبح غدوت الى الغابة، فكنت فيها نهاري أجمع، فبدوت في بعض الايام فعبرت بشجرة بطم قد بلغ بعضه وبعضه أخضر، وبعضه أحمر وقد وقع عليه الندى وهو يبرق، فاستحسنته وأنسيت عهد ربي، وقسمي به أنّي لا أمد يدي الى شيء مما تنبت الأرض، فمددت يدي الى الشجرة، فقطعت منها عنقودا، وجعلت بعضه في فمي وأنا ألوكه، ثم ذكرت العقد، فرميته من يدي، وبزقت ما كان في فمي، ثم قلت: حلت المحنة، ورميت الترس والحربة، وجلست موضعي يدي على رأسي، فما استقربي جلوسي حتى داروا بي فرسان، وقالوا لي: قم، وساقوني حتى أخرجوني الى الساحل، فاذا الامير بياس (٢) وحوله جماعة على خيول، ورجالة كثيرة، وبين يديه جماعة سودان خماسين، كانوا يقطعون الطريق قبل ذلك اليوم في ذلك الموضع، فأسرى اليهم أمير بياس فكبسهم في السحر وأخذ من كان منهم حاضرا في الأكواخ، وافترقت الخيل


(١) من الواضح أنها من بلاد الثغر في منطقة أنطاكية، علما بأن ياقوت لم يذكرها في معجم البلدان.
(٢) كتب ابن العديم في الهامش: «صوابه: الامير تناش»، ويبدو أنه كان أميرا لبياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>