للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العميد أخر غيره، فقال كل منهما: سيفي الذي اخترته أجود، ثم اصطلحا على أن يجرباهما، فقال ابن العميد: فبماذا (٣٧ - ظ‍) نجربهما؟ فقال أبو الطيب: في الدنانير فيؤتى بها فينضد بعضها على بعض، ثم تضرب به، فان قدها، فهو قاطع، فاستدعى ابن العميد بعشرين دينارا، فنضدت ثم ضربها أبو الطيب فقدها وتفرقت في المجلس فقام من مجلسه المفخم يلتقط‍ الدنانير المتبددة في كمه، فقال ابن العميد: ليلزم الشيخ مجلسه فان أحد الخدام يلتقطها ويأتيه بها، فقال: بل صاحب الحاجة أولى بها.

قال ابن فورجة: وكان رجلا ذا هيئة مر النفس شجاعا حفظة للآداب، عفيفا، وكان يشين ذلك كله ببخله.

قرأت على ظهر نسخة قديمة من شعر المتنبي ما صورته: وحكى أبو بكر الخوارزمي أن المتنبي كان قاعدا تحت قول الشاعر:

وان أحق الناس باللوم شاعر … يلوم على البخل الرجال ويبخل

وانما أعرب عن طريقته وعادته بقوله: وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.

قال: فحضرت عنده يوما وقد أحضر مال، فصب بين يديه من صلات سيف الدولة على حصير قد افترشه، فوزن وأعيد في الكيس، وتخللت قطعة كأصغر ما تكون خلال الحصير، فأكب عليه بمجامعه يعالج لاستنقاذها منه، ويشتغل عن جلسائه حتى توصل الى اظهار بعضها، وأنشد قول قيس من الخطيم:

تبدت لنا كالشمس بين غمامة (١) … بدا حاجب منها وضنت بحاجب (٣٨ - و)

ثم استخرجها وأمر باعادتها الى مكانها وقال: انها تخضر المائدة.


(١) -كتب ابن العديم في الحاشية: المعروف «تحت غمامة» ويتوافق هذا مع رواية جمهرة أشعار العرب لابي زيد القرشي ط‍. بولاق ١٢٣:١٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>