أنبأنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب البغدادي في كتابه عن أبي بكر محمد ابن عبد الباقي الانصاري قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران-اجازة-قال: أخبرنا محمد بن علي بن نصر الكاتب-قلت: ونقلته من خطه ببغداد-قال: حدثني أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الببغاء قال: كان أبو الطيب المتنبي يأنس بي ويشكو عندي سيف الدولة، ويأمنني على غيبته له، وكانت الحال بيني وبينه صافية عامرة دون باقي الشعراء، وكان سيف الدولة يغتاظ من عظمته وتعاليه، ويجفو عليه إذا كلمه، والمتنبي يجيبه في أكثر الأوقات، ويتغاضى في بعضها.
قال: وأذكر ليلة وقد استدعى سيف الدولة بدرة فشقها بسكين الدواة، فمدّ أبو عبد الله ابن خالوية النحوي جانب طيلسانه، وكان صوفا أزرق، فحثا فيه سيف الدولة صالحا، ومددت ذيل درّاعتي وكانت ديباجا فحشا لي فيها، وأبو الطيب حاضر، وسيف الدولة ينتظر منه أن يفعل مثل فعلنا، أو يطلب شيئا منها، فما فعل، فغاظه ذلك، فنثرها كلّها، فلما رأى أنها قد فاتته زاحم الغلمان يلتقط معهم، فغمزهم عليه سيف الدولة، فداسوه وركبوه، وصارت عمامته وطرطوره في حلقه، واستحيا ومضت به ليلة عظيمة، وانصرف فخاطب أبو عبد الله بن خالويه (٣٨ - ظ) سيف الدولة في ذلك، فقال: من يتعاظم تلك العظمة يتضع إلى مثل هذه المنزلة لولا حماقته؟!
ومما يحكى من بخله وشحه ما قرأته في تاريخ أبي غالب همّام بن الفضل بن المهذب المعري (١)، سيره الي بعض الشراف بحلب، قال: وكان سيف الدولة قد أقطعه-يعني المتنبي-ضيعة تعرف ببصّف من ضياع معرة النعمان القبلية، فكان يتردد اليها، وكان يوصف بالبخل فمما ذكر عنه ما حدثوه جماعة من أهل بصف أن كلبا من كلاب الضيعة المعروفة بصهيان كان يطرق تين بصف فذكر ذلك لأبي الطيب المتنبي فقال للناطور: إذا جاء الكلب فعرفني به، فلما جاء عرفه، فقال:
شدوا على الحصان، وخرج إليه فطرده أميالا، ثم عاد لا يعقل من التعب وقد عرق فرسه، فقال له أهل بصف: يا أستاذ كيف جرى أمر الكلب؟ فقال كأنّه كان فارسا
(١) -أكثر ابن العديم في كتابه النقل عن هذا التاريخ، وقد ورد ذكره مصنفه بين تلامذة أبي العلاء المعري.