للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآخر قوله:

في جحفل ستر العيون غباره … فكأنما يبصرن بالآذان (١)

أخبرني ياقوت بن عبد الله الحموي قال: حكى لي بعض الفضلاء في المذاكرة قال: لما ورد المتنبي إلى شيراز مادحا لعضد الدولة كان يجتاز على مجلس أبي علي وقد اجتمع إليه أعيان أهل العلم، وكان زي المتنبي زيا عجيبا يلبس طرطورا طويلا وقباء، ويعمل له عذبة طويلة تشبّها بالأعراب، فكان أبو علي يستثقله، ويكره زيّه، ويجد في نفسه نفورا منه، وكان إذا اجتاز عليهم يقول أبو علي لتلاميذه: إذا سلم عليكم فأوجزوا في الردّ لئلا يستأنس فيجلس إلينا، وكان أبو الفتح عثمان بن جني يعجب بشعره ويحب سماعه، ولا يقدر على مراجعة شيخه فيه، فقال أبو علي يوما: هاتوا بيتا تعربونه، فابتدر أبو الفتح فأنشد للمتنبي:

حلت دون المزار فاليوم لو زر … ت لحال النحول دون العناق (٢)

فقال أبو علي: أعد، أعد، فأعاده، فقال: ويحك لمن هذا الشعر فإنه غريب المعنى؟ قال: هو للذي يقول:

أمضى إرادته فسوف له قد … واستقرب الأقصى فثمّ له هنا (٣)

قال: فازداد أبو علي عجبا وقال: ما أعجب هذه المعاني وأغربها من (٤١ - ظ‍) قائلها؟ قال الذي يقول:

ووضع الندى في موضع السيف بالعلى … مضرّ كوضع السيف في موضع الندى (٤)


(١) -ديوانه:٢٧٤. ومن أجل أخبار النامي انظر يتيمة الدهر:١/ ٢٤١ - ٢٤٨ وترجمته المقبلة في كتابنا هذا.
(٢) -ديوانه:١٧٥.
(٣) -يعني انه نافذ الارادة لا بعيد لديه. ديوانه:٢٦٥.
(٤) -ديوانه:٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>