قال: فاستخف أبا علي الطرب وقال: ويحك من قائل هذا؟ قال: الذي يقول قال: ونسي البيت الذي أنشده قال: فقال أبو علي: أحسن والله، وأطلت أنت، من يكون هذا؟ قال: هو صاحب الطرطور الذي يمر بك فتستثقله ولا تحب محاضرته، قال: ويحك أهذاك يقول هذا؟! فقال: نعم، قال أبو علي: والله ما ظننت أن ذلك يأتي بخير أبدا، إذا كان في الغد ومر بنا فاسألوه أن يجلس إلينا لنسمع منه، فلما كان الغد ومرّ بهم كلموه وسألوه النزول عندهم ففعل، واستنشده أبو علي فملأ صدره، وأحبه وعجب منه ومن فصاحته وسعة علمه، فكلم عضد الدولة فيه حتى أحسن إليه وضاعف جائزته.
قلت: وهذه الحكاية لا يقبلها القلب ولا تكاد تثبت، فإن أبا علي الفارسي كان يعرف المتنبي قبل أن يصير بشيراز حين كانا بحلب، وقد حكى أبو الفتح عثمان بن جني عن أبي علي الفارسي في كتاب الفسر ما يشهد بخلاف ما تضمنته الحكاية.
قال أبو علي: خرجت بحلب أريد دار سيف الدولة، فلما برزت من السور إذا أنا بفارس متلثم قد أهوى نحوي برمح طويل فكدت أطرح نفسي من الدابّة فرقا، فلما قرب مني ثنى السنان وحسر لثامه، فإذا المتنبي وأنشدني:(٤٢ - و)
نثرت رؤوسا بالأحيدب منهم … كما نثرت فوق العروس الدراهم
ثم قال: كيف ترى هذا القول أحسن هو؟ فقلت: ويحك قتلتني يا رجل.
قال ابن جني: فحكيت هذه الحكاية بمدينة السلام لأبي الطيب فعرفها، وضحك لها، وذكر أبا علي بالثناء والتقريظ بما يقال في مثله (١).
وجرى للمتنبي مع ابن خالويه مثل هذه الواقعة التي حكاها أبو علي فإنني نقلت من خط أبي الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني المالكي