للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه ما كذب، ولا زنى، ولا لاط‍، وبلوت منه ثلاث خلال ذميمة كل الذم، وتلك:

أنه ما صام، ولا صلى، ولا قرأ القرآن، عفا الله عنا وعنه آمين.

وذكر ابن فورجة في كتاب «التجني على ابن جني» عن أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري عن رجل من أهل الشام كان يتوكل لابي الطيب (١) في داره، يعرف بأبي سعد، قال: وبقي الى عهدنا، قال: دعاني أبو الطيب يوما ونحن بحلب، أظنه قال، ولم أكن عرفت منه الميل الى اللهو مع النساء ولا الغلمان فقال لي: أرأيت الغلام ذا الاصداغ الجالس الى حانوت كذا من السوق، وكان غلاما وسيما فحاشا فيما بسبيله، فقلت: نعم وأعرفه، فقال: امض فاتني به واتخذ دعوة وأنفق وأكثر، فقلت: وكم قدر ما أنفقه، فلم يزدني على قوله: أنفق وأكثر، وكنت أستطلع رأيه في جميع ما أنفق، فمضيت، واتخذت له ثلاثة ألوان من الاطعمة وصحفات من الحلواء، واستدعيت الغلام، فأجاب وأنا متعجب من جميع ما أسمع منه، اذا لم تجر له عادة بمثله، فعاد من (٤٧ - ظ‍) دار سيف الدولة آخر النهار وقد حضر الغلام، وفرغ من اتخاذ الطعام، فقال: قدم ما يؤكل وواكل ضيفك، فقدمت الطعام فأكلا وأنا ثالثهما، ثم أجن الليل، فقدمت شمعة ومرفع دفاتره، وكانت تلك عادته كل ليلة، فقال: أحضر لضيفك شرابا واقعد الى جانبه فنادمه، ففعلت ما أمرني به، كل ذلك وعينه الى الدفتر يدرس ولا يلتفت إلينا إلاّ في الحين بعد الحين، فما شربنا إلاّ قليلا حتى قال: افرش لضيفك وافرش لنفسك وبت ثالثنا، ولم أكن قبل ذلك أبايته في بيته، ففعلت وهو يدرس حتى مضى من الليل أكثره، ثم أوى الى فراشه ونام، فلما أصبحنا قلت له: ما يصنع الضيف؟ فقال: احبه واصرفه، فقلت له: وكم أعطيه؟ فأطرق ساعة ثم قال: أنطه ثلاثمائة درهم، فتعجبت من ذلك، ثم جسرت نفسي فدنوت اليه وقلت: انه ممن يجيب بالشيء اليسير وأنت لم تنل منه حظا، فقطب ثم قال: أتظنني من هؤلاء


(١) -كرر بالاصل عباره لابي الطيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>