قصده، فعرفني من ذاك ما سررت به، وأقبل يصف لي ابن العميد وفضله وأدبه وعمله وكرمه، وسماحة الملك فنا خسرو ورغبته في الادب وميله الى أهله، فلما أمسينا قلت له: على أي شيء أنت مجمع؟ قال: على أن أتخذ الليل جملا، فان السير فيه يخفّ عليّ، قلت هذا هو الصواب رجاء أن يخفيه الليل ولا يصبح إلاّ وقد قطع بلدا بعيدا، والوجه أن يكون معك من رجالة هذه المدينة الذين يخبرون الطريق، ويعرفون المواضع المخوفة فيه، جماعة يمشون بين يديك الى بغداد، فقطب وقال: لم قلت هذا القول؟ قلت: تستأنس بهم، قال: أما والجراز (١) في عنقي فما بي حاجة الى مؤنس غيره، قلت الامر كما تقول، والرأي في الذي أشرت به عليك، فقال: تلويحك هذا ينبي عن تعريض، وتعريضك يخبر عن تصريح، فعرفني الأمر وبين لي الخطب، قلت: ان هذا الجاهل فاتك الأسدي كان عندي منذ ثلاثة أيام، وهو محفظ عليك لأنك هجوت ابن أخته، وقد تكلم بأشياء توجب الاحتراس والتيقظ، ومعه أيضا نحو العشرين فارسا من بني عمه قولهم مثل قوله، قال: وغلامه-وكان عاقلا لبيبا فارسا-يسمع كلامنا، فقال: الصواب ما رآه أبو نصر، خذ معك (٥١ - ظ) عشرين راجلا يسيرون بين يديك الى بغداد، فاغتاظ غيظا شديدا وشتم الغلام شتما قبيحا، وقال: والله لا تحدّث عني أني سرت في خفارة أحد غير سيفي.
قلت: يا هذا فأنا أوجه قوما من قبلي في حاجة يسيرون بمسيرك ويكونون في خفارتك، قال: والله لا فعلت شيئا من هذا، ثم قال لي: يا أبا نصر أبخروا الطير تخشيني، ومن عبيد العصا تخاف عليّ، وو الله لو أن مخصرتي هذه ملقاة على شاطئ الفرات وبنو أسد معطشون لخمس وقد نظروا الى الماء كبطون الحيات ما جسر لهم خف ولا ظلف أن يرده، حاشى لله من فكر اشتغله بهم لحظة العين،