للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالله فقال: كان المعتضد بالله يعدد بعد قتله إياه ذنوبه إليه والأمور التي أنكرها عليه ليعلم أنه كان مستحقا ما عمله به، فمما حدثني به عنه أن كان له مجلس يجتمع إليه أهل العلم فيفاوضونه ويفاوضهم، وكنت ربما سألته عن هذا المجلس وما يجري فيه فيخبرني به، وسألته في بعض الأيام على عادتي، فقال: يا أمير المؤمنين مرّ بي أمس شيء طريف، قلت: ما هو؟ قال: دخل إلي في جملة الناس رجل لا أعرفه حسن الرواء والهيئة، فتوهمت فيه أنه من أهل الفضل والمعرفة، وقعد لا ينطبق من أول المجلس الى آخره، فلما انصرف من كان حاضرا لم ينصرف معهم، فقلت:

ألك حاجة؟ قال: نعم تخلي لي نفسك، فأبعدت غلماني، فقال لي: أنا رجل أرسلني الله تعالى الى هذا البشر وقد بدأت بك لفضلك، وأملت أن أجد عندك معونة على ما بعثت له، فقلت له: يا هذا أما علمت أني مسلم أعتقد أنه لا نبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قد علمت ذلك وما جئتك إلا بأمر وبرهان، فهل لك في الوقوف على معجزتي، فأردت أن أعلم ما عنده فقلت له:

هاتها، فقال: يحضر سطل فيه ماء، فتقدمت بإحضاره، وأخرج من كمه حجرين أصمين صلدين كأشد ما يكون من الصخر، وقال لي: خذهما، فأخذتهما، فقال:

ما هما:؟ فقلت: حجران، قال لي: رم أن تكسرهما فلم أستطع لشدتهما، وصلابتهما، فقلت: ما أستطيع، فقال: ضعهما في السطل، فوضعتهما، قال: وغطهما، فغطيتهما بمنديل، وأقبل يحدثني، فوجدته ممتعا كثير الحديث، شديد العبارة، حسن البيان، صحيح العقل لا أنكر منه شيئا، فلما طال الأمر قلت له:

فأي شيء بعد هذا؟ فقال: أخرج لي الحجرين، فكشفت عنهما وطلبتهما في السطل فلم أجدهما وتحيرت وقلت: ليس في السطل شيء، فقال لي: أنت تركتهما بيدك ولم أقرب منهما، ولا لحظت السطل بعيني فضلا عن غيره، فقلت صدقت، فقال لي: أما في هذا إعجاز؟ فقلت: بقيت عليك حال واحدة، قال: ما هي؟ قلت:

آتيك بحجر من عندي فتفعل به مثل هذا، فقال لي: وهكذا قال أصحاب موسى

<<  <  ج: ص:  >  >>