أطلّ على بغداد كالغيث جاءها … بأسعد نجم في أجلّ أوان
نضاها ثياب المحل وهي لباسها … وبدّلها من شدّة بليان
فياطيب بغداد وقد أرجت به … على بعدها الأطراف من أرجان
غدا بكم المجد المضئ وإنّه … ليقمر من أضوائه القمران
ميسّر المعالي دوننا هل يسرّها … بطون وهاد أو ظهور رعان
(١٥٤ ظ)
نأى ما نأى فالموت دون فراقه … فما عذره في النأي إذ هو دان
فكن حاملا مني إليه رسالة … تبيّن لينا في هضاب أبان
فإن قال: أخشى من فلان تشبها … فقل ما فلان عندنا كفلان
هو الخلّ ما فيه اختلال مودّة … فلا تخشى منه زلة بضمان
فإن خنت عهدا أو أسأت خليقة … ولم يك شأني في المودّة شاني
فلا أحسنت في الحرب امساك مقبضي … يميني ولا يسراي حفظ عناني
لعلّ حياتي أن تعود نضيرة … لديه كما كانت وطيب زماني
قلت: وكان أبو صالح بن المهذب قائل هذا الشعر ابن عمة أبي العلاء.
وكان أبو العلاء مفرط الذكاء والحفظ، وأخبرني والدي رحمه الله فيما يأثره عن أسلافه أنه قيل لأبي العلاء: بم بلغت هذه الرتبة في العلم؟ فقال: ما سمعت شيئا إلا حفظته، وما حفظت شيئا فنسيته.
وحكى لي أيضا والدي فيما يأثره عن سلفه قال: سار أبو العلاء من المعرة الى بغداد، فاتفق عند وصوله إليها موت الشريف أبي أحمد الحسين والد المرتضى والرضي، فدخل الى عزيته، والناس مجتمعون، فخطا الناس في المجلس، فقال له بعضهم ولم يعرفه: الى أين يا كلب؟ فقال: الكلب من لم يعرف للكلب كذا وكذا اسما، ثم جلس في أخريات الناس الى أن أنشد الشعراء، فقام وأنشد قصيدته الفائية التي أولها (١٥٥ و):