للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمعت والدي يقول: قيل إن أبا العلاء عارض القرآن العزيز، فقيل له:

ما هذا إلاّ مليح إلا أنه ليس عليه طلاوة القرآن، فقال: حتى تصقله الألسن أربعمائة سنة وعند ذلك انظروا كيف يكون.

وقرأت بخط‍ الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي في كتاب له تتبع الكلام فيه على الصرفة (١)، ونصر فيه مذهب المعتزلة في أن القرآن ليس (١٦٠ ظ‍) بمعجز في نفسه، لكن العرب صرفوا عن معارضته، فقال فيه: وقد حمل جماعة من الأدباء قول أرباب الفصاحة أنه لا يتمكن أحد من المعارضة بعد زمان التحدي على أن نظموا على اسلوب القرآن وأظهر ذلك قوم وأخفاه آخرون ومما ظهر منه قول أبي العلاء في بعض كلامه: أقسم بخالق الخيل والريح الهابة بليل بين الشرط‍ ومطالع سهيل إن الكافر لطويل الويل، وإن العمر المكفوف الذيل، اتق مدارج السّيل، وطالع التوبة من قبيل تنج وما أخالك بناج.

وقوله: أذلت العائدة أباها، وأضاءت الوهدة ورباها، والله بكرمه احتباها، أولاها الشرف بما حباها، أرسل الشمال وصباها «ولا يخاف عقباها» (٢).

وهذا الكلام الذي أورده ابن سنان هو في كتاب «الفصول والغايات في تمجيد الله تعالى والعظات» (٣) وهو كتاب إذا تأمله العاقل المنصف علم أنه بعيد عن المعارضة وهو بمعزل عن التشبه بنظم القرآن العزيز والمناقضة، فإنه كتاب وضعه على حروف المعجم، ففي كل حرف فصول وغايات، فالغاية مثل قوله: نباج، والفصل ما يقدم الغاية، فيذكر فصلا يتضمن التمجيد أو الموعظة ويختمه بالغاية على الحرف من حروف المعجم، مثل تاج، وراج، وحاج، كالمخمسات والموشحات في الشعر.


(١) -صرف الحديث أن يزاد فيه ويحسن من الصرف بالدراهم. القاموس. والمراد هنا أن الله تعالى صرف القوى البشرية عن المعارضة ولذلك عجزوا ولولا صرفه تعالى لهم لاستطاعوا أن يأتوا بمثله، هكذا يزعم.
(٢) - سورة الشمس-الآية:١٥.
(٣) -طبع في القاهرة ١٩٧٧ بتحقيق محمود حسن زناتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>