للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خدمة العلوم إلى أن ولي القضاء، ثم أتى قسطنطينية واتصل بخدمة المولى سعد الدين فباشر الرصد سنة إلى أن أبطل عمله بعض الحُسَّاد واختفى وخرج إلى طرف الشام ومات. وكان علاّمة عصره في الرياضيات والفلكيات، منقطع القرين وله مؤلفات منها "ريحانة الروح" في البسيطة. وأما والده فهو ممن قام الإجماع على كمال علمه وفضله وهو رئيس [علماء] الدولتين الجركسية والعثمانية، [وكان] مستمراً في الإفتاء والتدريس نحو عشرين سنة بدمشق وفيها قُلِّد القضاء بها ولجدّه الأعلى سيرة مشهورة في عدة من التواريخ، منها أنه كان فَتْحُ حصن صِهْيُون (١) على يديه ولذلك سلّمه السلطان إليه وولي من أولاده عدة من الأمراء لإقليم صِهْيُون. وكان [من] عشيرة كبيرة تدعى بآل حمارتكين، لطف الله بهم أجمعين. وذكره الشهاب في "الخبايا" وقال: سماءُ فضلٍ معروف وغيث كرم ومعروف، رياض علمه أريضة وساحة مجده عريضه، إذا لمس اليراع سجد في محراب عرسه شكراً وماذ بمدام مداده سكراً وله في علم النجوم مرتبةً دونها الثُّريا، إذا رامها غيره قالت: {[إني] أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً} (٢) فلا تزال تنم بأسرار السماء إذ صعدها بخطوات أفكاره وسما حتى كأنه اتخذ جداولها له سُلّماً. ولما قدم الرُّوم وجدَّد الرصد لم يَدر الفلك على مراده وسعى به بما أدى إلى خروجه عن دائرة سعده وإسعاده، فولي القضاء وتقلَّب منه بين سخط ورضا، إلى أن دارت عليه دوائر كان الفناء مركز مدارها فحل زاوية قبر منفرجة له في أقطارها، وهكذا [هي] الدنيا بين يأس وأطماع، بينا هي في شكل العروس بدت بشكل قطاع وآثاره الفلكية وتحريراته الهندسية تدلّ على علو كعبه فيها وله منظوم ومنثور وهو من خير الأمور وكنت في ديباجة عمري أتيت مدينة سَلانيك وبها حبر اليهود خواجا داود [مرجوع] وإليه (٣) جلّة بني إسرائيل وعليه معولهم، فلم أر له في الرياضيات ثانياً ولا في الفلكيات مدانياً، مع مشاركته في أكثر الفنون وهو رفيقه في الرصد وعليه في الوضعيّات اعتمد، فلازمته سنة لقراءة أقليدس وحلِّ إشكاله وهو العَلَمُ الفرد الذي لم يسمح الدّهر بأضرابه وأشكاله، فكان يقول لي: تقي الدين لم يحلّ المجسطي وعلمه مغشوش فهو يصيب طوراً وطوراً يخطئ، وبه وبالفاضل عبد الوهاب، المعروف بقَوَلَه لُوزَادَه ذهبت آثار تلك العلوم من بلاد الروم. انتهى


(١) قال ياقوت: قلعة صهيون في سواحل الشام وهي من أعمال حمص. انظر "معجم البلدان" (٣/ ٤٣٦).
(٢) مريم: ١٨.
(٣) أي رفيق تقي الدين صاحب هذه الترجمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>