للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها وله خمس وأربعون سنة. وأخذ رجاء الخادم البردة والقضيب والخاتم وسار من مرو حتى قدم بغداد، فدفع ذلك إلى الأمين. وكانت خلافته ثلاثًا وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يومًا، وكان له من البنين اثني عشر ذكرًا منهم: الأمين والمأمون والمؤتمن والمعتصم، ومن البنات خمس عشرة، فعين الري للمامون والشام وقنسرين والثغور للمؤتمن، وباقي أولاده مذكور في "حبيب السير"].

٥٢٣٠ - هارون بن محمد بن هارون الواثق [بالله بن محمد المعتصم أبو جعفر الهاشمي (١)، مولده في شعبان سنة ١٩٦ وأمه أم ولد رومية تسمى قراطيس بويع له بالخلافة بعد موت أبيه بعهد منه بسر من رأى، وكان أبيض مليحًا يعلوه أصفرار حسن اللحية في عينيه نكتة (٢) عالمًا أديبًا جيد الشعر شجاعًا مهيبًا فيه جبروت، نقش خاتمه: كلمتا الشهادة. فلما ولي استخلف على السلطنة آشناس التركي وألبسه تاجًا مجوهرًا، وهو أول خليفة استخلف سلطانا وله أصوات وألحان يضرب بالعود، وكان راوية للأشعار والأخبار، وكان كثير الأكل، وكان قد تبع أباه في القول بخلق القرآن، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي لمخالفته، ويقال إنه رجع عن هذا القول قبل موته، وسببه ما ذكره أبو بكر الآجري أنه أتى للواثق شيخٌ مكث في السجن مدة، وقال لابن أبي داود سله، فقال الشيخ: المسألة لي مرة فأقبل وقال أخبرني عن هذا الأمر الذي تدعو الناس إليه أشئ دعا إليه رسول الله -عليه السلام-، قال: لا، قال: دعا إليه أبو بكر الصديق بعده، قال: لا، وذكر الخلفاء ثم قال: شيء لم يدعو إليه هؤلاء تدعو أنت إليه الناس، ليس يخلو أن تقول علموه أو جهلوه، فإن قلت علموه وسكتوا عنه وسعنا وإياك مع وسع القوم، وإن قلت جهلوه وعلمت أنت فيا لكع ابن اللكع بجهل النبي والخلفاء وتعلمه أنت وأصحابك فألزمه إلزامًا صحيحًا. ورجع الواثق عن ذلك وأطلق الشيخ وأكرمه، وحج الواثق مرة في سنة ففرق بالحرمين أموالا عظيمة حتى لم يبق بهما فقير. وكان موثرا لكثرة الجماع واستسقى فأجمع رأي الأطباء على أن لا دواء إلّا أن ينزل بطنه ثم ترك في تنور قد أسود سجر بحطب زيتون فيجلس فيه ففعل ذلك فمنعوه الماء ثلاث ساعات فصار في جسده نفاطات مثل البطيخ ثم أخرجوه فطلب أن يردّوه فرده فسكن صياحه ثم انفجرت تلك النفاطات وقطر منها ماء فأخرج من التنور وقد اسود جسده فمات بعد ساعة وذلك في شهر رجب سنة ٢٣٢ وهو ابن ست وثلاثين سنة وأشهر ودفن بسر من رأى. وخلافته خمس سنين وتسعة أشهر، وكان وزيره محمد بن عبد الملك الزيات أيضًا. كذا في "أخبار الدول" وغيره].


(١) ترجمته في "الوافي بالوفيات" (٢٧/ ٢٠١ - ٢٠٤) و"تاريخ بغداد" (١٤/ ١٦) و"سير أعلام النبلاء" (١٠/ ٣٠٦) و"شذرات الذهب" (٣/ ١٥٠) و"فذلكة" ورق (٨٦ ب) وما بين الحاصرتين تكملة منه. و"الأعلام" (٨/ ٦٢).
(٢) جاءت هذه العبارة في "الوافي بالوفيات" على شكل: وفي عينه اليمنى بياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>