بمصر يدير سُلاَفة اللطافة ويحلّ في ديوان الأدب محلّ خلافه، لا يرضى خلافة ما بين لهو ومآرب فلبّه منه جانب وللخلاعة جانب حتى ارتحل لشريف مكة يؤمل تنويله ولم يدر ما في ضمائر الأيام وما تنوي له، فلما ألقى عصا تسياره وقضى من مناسكه ما أخلص لله نقله الله من داره إلى جواره.
٥٣٧٥ - يزدجرد بن شهريار [بن برويز (١)، كان مختفيا بإصطخر لما قتل أبوه مع إخوته، وكانت الوزراء تدبر ملكه، وضعفت دولتهم واجترئ عليهم الأعداء، وغزا المسلمون بلادهم. وكان رستم الأرمني وزيره وقائد جيوشه فقال له خذ من الأموال والسلاح واكفني أمر العرب، ولما نقضت دهاقنة العراق عهودها مع المسلمين فوصل الخبر إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجه العساكر من المدينة وسعد بن أبي وقاص صاحب الجيش، فلما اجتمع عساكر المسلمين مع عسكر رستم رأى رستم في منامه كأن يزدجرد يجمع السلاح من ممالك فارس ويعطيها النبي -عليه السلام- وهو يعطيها عمر -رضي الله عنه- وهو يقسّمها بين العساكر، فأزداد رستم غمًّا. وكان يكره حرب العرب فلما التقى الفريقان اقتتلوا أيامًا فهرب رستم ورمى نفسه في نهر العقيق فاقتحم هلال بن علقمة -رضي الله عنه- النهر فأخرجه منه إلى البر فقتله. وفي "المستطرف" أن رستم قتله عمرو بن معدي كرب في سنة ١٤ من الهجرة يوم القادسية وهو على فيل والله أعلم، وانهزم عسكر الفرس وفرّ يزدجرد إلى أرض الجبال، ولم يجتمع شملهم، فقتل منهم نحو ثلاثين ألفًا وقتل يزدجرد بعده بمدة، وكان عمره عشرين سنة وملكه ثلاث أو أربع سنين، وكان مقتله في سنة ٣١ من الهجرة في خلافة عثمان -رضي الله عنه-، وهو آخر من مَلَكَ من ملوك الفرس، وكانت عدتهم من كيومرث إلى يزدجرد ٦١ منهم ثلاث نسوة والله أعلم. هذا ملخص "تاريخ الجنابي" و"أخبار الدول". قال الشيخ حسين بن إبراهيم المعروف بابن والي في "شرح القصيدة القادرية". وقد اختلف الناس في الفرس وكم دولة كانت لهم، فمنهم من زعم أنهم من فارس بن ياسور بن سام، ومنهم من زعم [أنهم] من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق، ومنهم من زعم أنهم من ولد رام بن أرفخشد بن سام وأنه ولد له بضعة عشر رجلا كلهم [كانوا] فرسانًا فسموا بالفرس ولا خلاف أن الجميع من ولد كيومرث، وأما التنازع في دولتهم فمنهم من زعم أنهم أربعة أصناف، ومنهم من جعل صنفين، الأول من كيومرث إلى دارا، والثاني من أردشير بن بابك إلى يزدجرد. والله أعلم].
٥٣٧٦ - يزد بن مهلايل.
(١) ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (٢/ ١٠٩) وخبره في "فذلكة" ورق (٥٦ ب) وما بين الحاصرتين منه.