عند المقارنة بين مسودة المؤلف التي وصفناها سابقًا وبين نسخة القاهرة (م) يمكننا الوصول إلى بعض الأمور التي تدلنا على الكيفية التي أعد بها كاتب جلبي كتابه. وعلى الرغم من أن نسخة القاهرة لا تضم إلّا جزءًا صغيرًا من الكتاب، أي لا تضم حتى كل الجزء الذي وصفه كاتب جلبي بأنه يمثل المجلد الأول من الكتاب إلّا أنها تنطوي على أهمية كبيرة نظرًا لأنها تحتوي المقدمة التي لا توجد في نسخة المؤلف الموجودة بين أيدينا.
والآن نحاول من خلال عقد بعض المقارنات فيما بين النسختين إيضاح الكيفية التي أعد بها المؤلف كتابه، والكيفية التي وعملت بها النسختان الموجودتان بين أيدينا، ونسعى للتعرف على الفرضيات المختلفة في هذا الصدد.
ولا شك أن عدم احتواء نسخة المؤلف على المقدمة ووجودها في نسخة القاهرة أمر يدفعنا للتفكير في بعض الاحتمالات، أولها أن المستنسخ الذي كتب نسخة القاهرة قد يكون أعدها نقلًا عن نسخة المؤلف المحفوظة ضمن مجموعة الشهيد علي باشا قبل ضياع الملزمتين الموجودتين في أولها، وهذا يقتضي أن يكون استنساخ نسخة القاهرة قد جرى في الوقت الذي كانت فيه نسخه الشهيد علي باشا موجودة بشكلها التام وقبل انتزاع ملزمتين منها، أي أن مستنسخ نسخة القاهرة ربما يكون قد اطلع على نسخة المؤلف قبل دخولها إلى مجموعة الشهيد علي باشا ونقل منها ما نقل.
ونظرًا لأن مسودة المؤلف دخلت إلى مجموعة الشهيد علي باشا في نهاية القرن السابع عشر أو بداية القرن الثامن عشر على أقصى تقدير وأن نسخة القاهرة جرى استنساخها في القرن التاسع عشر فإن هذا الاحتمال قد يبدو بعيدًا عند النظر بدقة إلى الفروق الموجودة بين النسختين، إذ يظهر أن كاتب جلبي أعد نسخة أخرى مبيضة -كما ذكر هو- عدا نسخة المسودة الموجودة بين أيدينا.
ولسوف نلحظ عند تدقيق نسخة القاهرة أن ناسخها لم ينقل إليها بعض الإضافات
الموجودة على هامش نسخة المؤلف، مثل عبارات التأريخ بحساب الجمل، وتواريخ الأيام التي حشرها المؤلف بالأرقام من بعد فيما بين السطور لتحديد تواريخ وفيات بعض أصحاب التراجم، وكذلك الأشعار المكتوبة باللغة الفارسية. وهنا يمكننا الافتراض أن المستنسخ الذي كتب نسخة القاهرة لم يراع هذه الأمور فيها، أو أنها لا توجد في النسخة المبيضة التي قال كاتب جلبي إنه كتبها، أي في المجلد المستقل الذي وصفه بالمجلد الأول. ولكن الواضح