كاتب جلبي أو حاجي خليفة، كما يُعرف بلقبيه المختلفين، هو واحد من أبرز علماء المسلمين في القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادي. وهو -كما يتضح من ترجمته التي تضمنتها هذه المقدمة- رجل صَرَفَ همّته وقضى عمره في تحصيل العلم ونشره. بدأ يطلب العلم منذ نعومة أظفاره، وظل يشتغل به طيلة حياته في الحضر والسفر، وفي الحرب والسلم، حتى وَافته المنية وهو منكب على الكتب.
وهو أنموذج واضح لشخصية المثقف العثماني التركي الذى بدأ حياته العلمية بتعلم القرآن الكريم، وتحصيل علوم العربية، والتخصص في علوم الدين، والتمرّس بالعلوم الرياضية والطبيعية، مع إتقان للغة الفارسية وأدبها إلى جانب إتقانه للغة العربية. وقد ألف -كعادة العلماء العثمانيين الأتراك ومن سار على نهجهم من مثقفي الدولة العثمانية غير الناطقين بالعربية- باللغتين العربية والتركية في آن معًا. كذلك فإن الأسلوب المسجع الذي هو القاسم المشترك في كافة النصوص النثرية الكلاسيكية التي كتبت في القرنين السادس عشر والسابع عشر لا نجده في أعماله إلّا في القليل النادر، ولكي نعثر عليها لا بد لنا من تقليب عدة صفحات. فهو لا يعبأ بتزويق أفكاره ومباحثه الجدلية، ولا يعنى باستخدام التعابير والألفاظ الغريبة، أي أنه لا يتعسف في اختلاق الألفاظ والتراكيب، وإنما يميل إلى الكتابة بأسلوب واضح مختصر، ونادرًا ما يستخدم الجناس والتشبيه في الجملة.
وإن المؤلفات العديدة التي خَلّفها لنا كاتب جلبي، والتي سوف نأتي على ذكرها باختصار، تنم عن معرفة موسوعية، وعن عمق في تمثل التراث الحضاري الإسلامي. ولاشك أن كتابه "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" - الذي صار مرجعًا أساسيًا لا غنى عنه لدارسي الحضارة الإسلامية عنه- وإحاطته بالتراث الحضاري الإسلامي هو خير دليل على
* لقد رأينا أن نضع هنا هذه المقدمة العربية عن حياة كاتب جلبي وأعماله حتى يتعرف القارئ العربي عليه، وهي في جلها مأخوذة من كتاب المرحوم الأستاذ أورخان شائق كوكياي المذكور فيما يلي.