للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يؤذن له؟ قال: لا، يقال له: إن أخاك إنما نال هذه الدرجة بطاعاته وليس لك مثلها. قال فإن قال: التقصير ليس مني، فلو أحييتني كنت أطعتك؟ قال يقول: كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت ولعوقبت فراعيت مصلحتك. قال: فلو قال الكافر: يا ربّ علمت حاله كما علمت حالي: فهلاّ راعيت مصلحتي مثله؟ فانقطع الجُبّائي.

وكانت الحنفية غالب أهل دار السلام بغداد التي فاقت سائر البلاد، بل كادت تفوق {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (١)، وقد كان بها من العلماء والزُّهَّاد والعُبَّاد والخلفاء والوزراء والمساجد والمدارس ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت. وقد ثبت عن ثقةٍ أنه رأى مجلدة احترق بعض أوراقها ومكتوب على ظهرها إن هذه المجلدة [هي] الخامسة والعشرون بعد المائة من فهرس كتب المستنصرية فإذا كان [هذا] مقدار فهرس الكتب التي في مدرسة واحدة، فكيف يكون مقدار الكتب التي في المدينة. وقد تواترت الأخبار بأن تلك المدينة وما فيها صار إلى حالة العدم (٢). وذكر بعض المؤرخين أنهم (٣) كانوا يحرقون الكتب ويغرقونها ويرمونها في الخنادق ويجعلونها كالجسور للمرور والعبور. وكان أيضاً منها بما وراء النهر ما لا يدخل تحت الحصر مما حال بيننا وبينه بُعْدُ المراحلِ وانقطاعِ القوافلِ وتداول الفتن، وضاعت الكتب واندرست الآثار ونُسيت الأخبار وأُصيب الإسلام وأهله فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وذكر السُّبكي (٤) في ترجمة أبي زُرعة محمد بن عثمان الثقفي، قاضي دمشق أنه هو الذي أدخل مذهب الشافعي إليها، وكان يهب لمن يحفظ "مختصر المزني" مائة دينار. وكان قبل ذلك على قضاء مصر لأحمد بن طولون (٥) وذُكِر أن الشافعية كان مدار أمرهم على إمامين من المتأخرين، وهما النَّووي (٦) والرافعي (٧)، حتى قال أبو أُمامة محمد بن علي ابن النَّقَّاش المصري (٨): الناس اليوم رافعية لا شافعية، ونووية لا نبوية كما في "نحاة السُّيوطي" (٩).


(١) يعني (دمشق) قاله ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (٥/ ٢١٦) طبع دار صادر ببيروت بإشرافي في معرض تفسيره للآية (٧) من سورة الفجر.
(٢) يعني عقب غزو المغول لبغداد.
(٣) أي المغول.
(٤) انظر "طبقات الشافعية الكبري" (٣/ ١٩٦ - ١٩٨).
(٥) سبقت ترجمته في القسم الأول برقم ٤٠٠.
(٦) واسمه (يحيي بن شرف بن مري) وقد تقدمت ترجمته في القسم الأول برقم ٥٣١٧.
(٧) واسمه (عبد الكريم بن محمد بن الفضل) وقد تقدمت ترجمته في القسم الأول برقم ٢٧٠٦.
(٨) ورد ذكره في القسم الأول برقم ٤٣٦٠.
(٩) انظر "بغية الوعاة" (١/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>