للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• وكذلك كان شمس الدين محمد بن حمزة الفَنَاري (١)، ذكره ابن حجر، وأثنى عليه السخاوي، ثم قال: غير أنه يُعاب بنحلة ابن العربي وبإقراء "المنصوص" ولما دخل القاهرة لم يظاهر بشيء من ذلك.

الأيام المشهودة للجنائز المعهودة: قال العلم البرزالي (٢): لما مات الشيخ تقي الدين ابن تَيْمِيَّة (٣) محبوسًا بقلعة دمشق، بادر الناس إلى الاجتماع فحُمل على رؤس الأصابع إلى مقبرة الصُّوفية، وخرج الناس من أبواب البلد جميعًا من شِدَّة الزِّحام من الضَّحوة الكُبرى إلى وقت العصر وكان يومًا مشهودًا لم يعهد مثله بدمشق، وهو كجنازة أحمد بن حنبل ببغداد، ولم يتخلّف عن الحضور إلا القليل من الناس، وتردد الناس إلى قبره أيامًا كثيرة ورثاه جماعة بقصائد، هذا مع أنه مات بالقلعة مسجونًا من جهة السلطان، وكثير من الفقهاء يذكرون عنه أشياء كثيرة.

ولما مات الإمام أحمد بن حنبل (٤)، يوم الجمعة حين مضى منه نحوًا من ساعتين، اجتمع الناس في الشوارع ولم يبق أحد في جانبي بغداد إلاّ حضر غير أهل مسجد الحارث المحاسبي (٥)، وكان بينهما برودة، وعلت أصوات الناس بالبكاء ولم يستقر في قبره إلا بعد صلاة العصر لكثرة الخلق في السفن والصحراء، وأمر المتوكل (٦) أن يُمسح (٧) الموضع الذي وقف فيه الناس حيث صلّوا عليه فبلغ مقام أَلْف أَلْف وخمسمائة ألف. وعن البيهقي أنه كان يقول: ما بلغنا أن جمعًا في الجاهلية ولا في الإسلام اجتمعوا في جنازة أكثر من الجمع الذي اجتمع على جنازته (٨)، وأسلم في هذا اليوم جمع كثير من اليهود والنصارى على ما ذكره ابن كثير وغيره (٩).


ا (١) نظره في "إنباء الغمر" (٣/ ٤٦٤) و"الذيل التام على دول الإسلام" (١/ ٥٧١) و"شذرات الذهب" (٩/ ٣٠٤) و"بغية الوعاة" (١/ ٩٧)، وفي القسم الأول برقم ٤٠٧٥.
(٢) واسمه (القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد) انظر ترجمته في "معجم الشيوخ" للذهبي (٢/ ١١٥ - ١١٧) و"شذرات الذهب" (٨/ ٢١٤ - ٢١٦).
(٣) واسمه (أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام) انظر ترجمته في "المعجم المختص" للذهبي ص (٢٥ - ٢٧) و"شذرات الذهب" (٨/ ١٤٢ - ١٥٠)، وفي القسم الأول برقم ٤٣٠.
(٤) انظر ترجمته في "المنهج الأحمد" (١/ ٦٩ - ١٢٩) و"شذرات الذهب" (٣/ ١٨٥ - ١٨٩).
(٥) واسمه (الحارث بن أسد المحاسبي) وقد تقدمت ترجمته في القسم الأول برقم ١٢٦٢.
(٦) واسمه (جعفر بن محمد) انظر ترجمته في "شذرات الذهب" (٣/ ٢١٨ - ٢٢١) و"الأعلام" (٢/ ١٢٧).
(٧) أي أن يحصى.
(٨) قال العُليمي: وكان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: بيننا وبينهم يوم الجنائز، يعني أهل الباع، فأظهر الله صدق مقالته، وأوضح ما منحه من كرامته. انظر "المنهج الأحمد" (١/ ١١٦).
(٩) انظر "البداية والنهاية" (١٤/ ٤٢٥) و"المنهج الأحمد" (١/ ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>