ويتضح لنا من كل ذلك أن الوقت لم يسعف المؤلف ليقوم بالمراجعة الكاملة لكتابه وإعطائه الشكل الأخير. فهو يكرر في القسم الثاني تراجم بعض الأشخاص الذين ترجم لهم في القسم الأول، ويقوم بوضع بعض الإضافات. وقمنا نحن من جانبنا بالإشارة إلى تلك الإضافات في هوامش التحقيق، فهناك مثلًا (الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم الخطيب الوزيري) قد تكررت ترجمته في القسم الأول مرتين (b ١٨٧، b ١٨٨)، ولما أدرك المؤلف ذلك قام بتصحيح تاريخ الوفاة الوارد في الترجمة الثانية ثم أخذ منها بعض المعلومات وأضافها على الترجمة الأولى ووضع فوق الترجمة الثانية كلمة (مكرر). كما لاحظنا أنه عاد وذكر نفس الشخص في القسم الثاني تحت نسبة (الوزيري)، لكنه ذكر تاريخ الوفاة بسنة ٨٦٧، في حين أنه مذكور في القسم الأول بسنة ٨٧٠، وهو أمر أشرنا إليه في موضعه من هوامش التحقيق.
والخلاصة أن كاتب جلبي وهو يكتب هذا الكتاب المرجع في مجال التراجم استعان بما يزيد على ١٥٠ كتابًا بالعربية والتركية والفارسية واللاتينية. واستغرق في إعداده أعوامًا طويلة في الوقت الذي كان يعد فيه كتابه الموسوعي الآخر في موضوعات العلوم وكتبها والمعروف بكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. وقام بتبييض المجلد الأول الذي يبدأ من البداية حتى نهاية حرف التاء، بينما ترك القسم المتبقي في حالة مسودة، ولم يسعفه الأجل لإعطائه الشكل النهائي. والكتاب يترجم لحياة وأعمال ما يزيد على ثمانية آلاف وخمسمائة علم من الإعلام المعروفين في تاريخ الإسلام وأدبياته من كل الفئات والطبقات حتى عصر المؤلف. كما يقدم في قسمه الثاني معلومات موجزة في الكنى والأنساب والألقاب وكذالك في أسماء الأماكن والمذاهب والفرق وغير ذلك، وهو ينفرد بهذه الخاصية في العصر العثماني وما قبله.
وبعد كل هذه التفاصيل الفنية نرى أن أهم ما يتميز به سلم الوصول بوجه عام هو أنه يكشف لنا عن مدى الثراء الحضاري والتوحد الثقافي الذي كان يعيشه العالم الإسلامي آنذاك، إذ يمكن لنا من خلال النظر في التراجم التي قدمها كاتب جلبي أن نرى كيف أن أعمال العالم التركستاني كانت تُقرأ وتستخدم في الأندلس، وكيف أن أعمال العالم الأندلسي كانت تُقرأ وتستخدم في تركستان. فقد كانت اللغة العربية هي لغة العلم المشتركة، وكان التعليم في المدارس جاريًا بتلك اللغة، ومن ثم كان يمكن للعالم أينما توجه على امتداد الساحة الإسلامية من شرقها فيما وراء النهر إلى غربها في الأندلس ومنطقة البلقان أن يجد وظيفة لتدريس العلوم ويصبح فردًا من المجتمع الذي يعمل فيه. ويمكنه في الوقت نفسه سواء كان مدرسًا أم كان قاضيًا أن يستفيد من العلماء الآخرين. وهذا الأمر كان عاملًا في انتشار العلم والثقافة وتداول الكتب.