للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإمام أو الشيخ أو الفقيه، فإن كان النسب إلى أبي بكر -رضي الله عنه- قلت: القرشي التيمي (١) البكري ليكون التخصيص بعد التعميم وقد يكتفى بذكر الأخير لوجود العام في ضمن الخاص والأَوْلى التصريح في موضع الاشتباه، هذا هو القاعدة للمعرفة عند أهل العلم وإن جاء في بعض التراجم ما يخالف ذلك فلمصلحة وإلا فإنما هو من سبق القلم وذهول الفكر.

قاعدة: ذكرها البِقَاعي في "معجمه" (٢) نقلًا عن شيخه ابن حجر، عن القاضي ابن خلدون في امتحان الأنساب أنه يجعل لكل مائة سنة ثلاثة رجال في النسب وأنه امتحن -بها- أنساب كثير من ذوي الأنساب الثابتة فلم تخرم وأما غيرهم فلا يكاد يصح فيهم فائدة كلما رفعت في الأسماء والنسب وزدت انتفعت بذلك وحصل لك الفرق.

فقد حكى أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني (٣) قال: حججت في سنةٍ وكنت بمنى أيام التشريق فسمعت مناديًا ينادي يا أبا الفرج، فقلت لعله يريدني لكن لم أجبه، فنادى يا أبا الفرج المعافى، فهممت بإجابته ثم قلت في الناس قد يوجد من اسمه المعافى وكنيته أبو الفرج فلم أجبه، فنادى يا أبا الفرج المعافى ابن زكريا، فلم أجبه، فنادى بضم النّهرواني، فقلت: لم يبق شك في مناداته إياي، إذ ذكر كنيتي واسمي واسم أبي وبلدي، فقلت ها أنا ذا، فلما رآني قال: لعلك من نَهروان الشرق، فقلت: نعم، فقال: نحن نُريد نهروان الغرب، فعجبت من اتفاق ذلك، ولهذا نرى كثيرًا من أهل العلم بالتاريخ لا يفرّقون بين أمثال ذلك ويظنون الاثنين واحدًا وهو خبط عظيم.

واعلم أن المورِّخين إذا كتبوا ملكًا أو وزيرًا فمنهم من شكر ومنهم من أنكر، هذا شأن الناس في أفعال ملوكهم والحاكم أحد الخصمين غضبان منه إذا حكم بالحق فكيف السلطان وهم أيضًا ربما وضعوا من أناس أو رفعوا أناسًا، إما لتعصب أو لجهل، أو لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به، أو غير ذلك، والجهل في المؤرخين أكثر منه في أهل الجرح والتعديل، قَلّ أن رأيت تاريخًا خاليًا من ذلك، بل أكثره مشحون بالتعصب المفرط.

ولذلك اشترطوا فيمن كتب التراجم والتاريخ شروطًا، منها الصدق، وإذا نقل [أن] يعتمد اللفظ دون المعنى وأن لا يكون ذلك الذي نقله أخذه في المذاكرة وكتبه بعد ذلك وأن يسمي المنقول عنه، فهذه شروط أربعة فيما ينقله. ويشترط فيه أيضًا لما يترجمه من عند نفسه ولما عساه يطول في التراجم من المنقول ويقصّر أن يكون عارفًا بحال صاحب الترجمة علمًا ودينًا وغيرهما من الصفات وهذا عزيز جدًا. وأن يكون حسن العبارة، عارفًا بمدلولات الألفاظ.


(١) في (م): "القيمي" والتصحيح من "الأعلام" (٤/ ١٠٢) ومصادره.
(٢) واسمه "عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران" وهو مخطوط لم ينشر بعد فيما نعلم.
(٣) في كتابه "الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي" وترجمته في "شذرات الذهب" (٤/ ٤٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>