للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: الاستنباط بدلالة النص (مفهوم الموافقة)]

النص في اللغة: يدل على رفع وارتفاع وانتهاء في الشيء، منه قولهم: نصَّ الحديث إلى فلان أي: رفعه إليه (١).

وأما دلالة النص في الاصطلاح فهي: (ما ثبت بمعنى النص لغةً لا اجتهاداً ولا استنباطاً) (٢).

يقصد بهذه الدلالة: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق (٣).

"وهو ما يدل على أن الحكم في المسكوت عنه موافق للحكم في المنطوق به من جهة الأولى" (٤).

فهو "ما ثبت بمعنى النظم لغة لا استنباطا بالرأي، لأن للنظم صورة معلومة ومعنى هو المقصود به، فالألفاظ مطلوبة للمعاني وثبوت الحكم بالمعنى المطلوب باللفظ بمنزلة الضرب له صورة معلومة ومعنى هو المطلوب به، وهو الإيلام ثم ثبوت الحكم بوجود الموجب له فكما أن في المسمى الخاص ثبوت الحكم باعتبار المعنى المعلوم بالنظم لغة فكذلك في المسمى الخاص الذي هو غير منصوص عليه يثبت الحكم بذلك المعنى، ويسمى ذلك دلالة النص فمن حيث إن الحكم غير ثابت فيه بتناول صورة النص إياه لم يكن ثابتا بعبارة النص ومن حيث إنه ثابت بالمعنى المعلوم بالنص لغة كان دلالة النص ولم يكن قياسا فالقياس معنى يستنبط بالرأي مما ظهر له أثر في الشرع ليتعدى به الحكم إلى ما لا نص فيه لا استنباط باعتبار معنى النظم لغة" (٥).

وقد استخدم الشيخ محمد رشيد -رحمه الله- هذه الدلالة في أكثر من موضع، وقد يصرح بهذه الدلالة ومن ذلك:

ـ قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: ٢٩]، قال: "إن هذه الجملة هي نص الدليل القطعي على القاعدة المعروفة عند الفقهاء إن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة" (٦).

ـ وقال -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سورة البقرة: ٢٠٢]، "وقد بينت الآية صريحا أنهم يعطون ما دعوا الله تعالى فيه بكسبهم، وهذا نص فيما تقدم من معنى الدعاء وأنه لا بد أن يكون طلب اللسان مطابقا لما في النفس من الشعور بالحاجة إلى الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب والسعي في الطرق التي مضت سنة الله تعالى" (٧).


(١) مقاييس اللغة لابن فارس (٥/ ٣٥٦).
(٢) أصول البزدوي، ١/ ٢٤١.
(٣) إرشاد الفحول للشوكاني ٣/ ٣٦
(٤) البرهان في أصول الفقه (١/ ١٦٦)
(٥) أصول السرخسي (١/ ٢٤١).
(٦) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٢٠٦).
(٧) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ١٩٢).

<<  <   >  >>