للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك من المفسرين من ذكر القراءتين ولم يرجح او يبيّن فائدة هذه القراءات.

ومنهم البغوي حيث قال: "وإن كثيرا ليضلون، قرأ أهل الكوفة بضم الياء وكذلك قوله: ليضلوا [يونس: ٨٨] في سورة يونس لقوله تعالى: يضلوك عن سبيل الله، وقيل: أراد به عمرو بن لحي فمن دونه من المشركين الذين اتخذوا البحائر والسوائب، وقرأ الآخرون بالفتح لقوله: من يضل (١)، والبيضاوي (٢).

[[جعل الله أكابر القرى محاربين للرسل تذكيرا للمؤمنين وتحذيرا للمشركين]]

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (١٢٣)} [سورة الأنعام: ١٢٣]

٢٥. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "ونقول في العبرة بالآية بما يناسب حال هذا العصر: إن سنة الله تعالى في الاجتماع البشري قد مضت بأن يكون في كل عاصمة لشعب أو أمة أو كل قرية وبلدة بعث فيها رسول أو مطلقا رؤساء وزعماء مجرمون يمكرون فيها بالرسل، أو بأن يكون أكابرها المجرمون ماكرين فيها بالرسل في عهدهم، وبسائر المصلحين من بعدهم وقال: "وهذا العموم في الآية صحيح واقع يعرفه أهل البصيرة والعلم بشئون الاجتماع والعمران، ولا تظهر صحة العموم في القرى والأكابر جميعا بجعل جميع الأكابر المجرمين ماكرين في جميع القرى، أو بجعل جميع المجرمين فيها أكابر أهلها، بحيث يكون الإجرام هو سبب كونهم أكابرها، بل قد يتحقق بكون أكثر الأكابر الزعماء مجرمين ماكرين ولا سيما في القرى التي استحقت الهلاك بحسب سنة الاجتماع المبينة في قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [سورة الإسراء: ١٦] " (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة جعل الله أكابر القرى محاربين للرسل تذكيرا للمؤمنين وتحذيرا للمشركين، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: سنة الله في الاجتماع البشري ماضية في أن كل شعب أو قوم في بلد ما لا تخلو من مفسدين يفسدون فيها بشتى الصور، ويمكرون بمن يريد الإصلاح سواء كانوا رسل أو دعاة إصلاح، فجعل الله أكابر القرى محاربين للرسل تذكيرا للمؤمنين وتحذيرا للمشركين، وذلك تأكيد لمكر الأكابر بالأنبياء والمصلحين، وربط ذلك بعلم الاجتماع، وأن المجتمعات لا تخلو من مصحلين ومفسدين.


(١) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ١٥٤).
(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٨٠).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٢٩)

<<  <   >  >>