للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الأسماء والصفات، في مسألة الصدق في الدعاء يحقق سرعة الإجابة، بدلالة الاقتضاء.

وجه الاستنباط: دلت الآية على سرعة استجابة الله لدعاء نبيه يوسف، بما دلل عليه في الآية من العطف بالفاء في الاستجابة والصرف، وبختمها باسمين جامعين لمعنى الخوف والرجاء، فكان هذا دليلا على إحاطة علم الله برسله وبالخلق أجمعين، يسعهم بعلمه وسمعه، وهذا ألصق بالمعنى الذي تولى الله فيه يوسف عليه السلام.

وإلى هذا أشار ابن عاشور فقال: "وعطف جملة فاستجاب بفاء التعقيب إشارة إلى أن الله عجل إجابة دعائه الذي تضمنه قوله: وإلا تصرف عني كيدهن، واستجاب: مبالغة في أجاب، كما تقدم في قوله: (فاستعصم)، وصرف كيدهن عنه صرف أثره، وذلك بأن ثبته على العصمة فلم ينخدع لكيدها ولا لكيد خلائلها في أضيق الأوقات، وجملة إنه هو السميع العليم في موضع العلة فاستجاب المعطوف بفاء التعقيب، أي أجاب دعاءه بدون مهلة لأنه سريع الإجابة وعليم بالضمائر الخالصة، فالسمع مستعمل في إجابة المطلوب، يقال: سمع الله لمن حمده. وتأكيده بضمير الفصل لتحقيق ذلك المعنى" (١).

وقال ابن عطية: "وقوله: {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} صفتان لائقتان بقوله: فَاسْتَجابَ" (٢).

وقال الزمخشري: "وإنما ذكر الاستجابة ولم يتقدم الدعاء، لأن قوله وإلا تصرف عني فيه معنى طلب الصرف والدعاء باللطف السميع لدعوات الملتجئين إليه العليم بأحوالهم وما يصلحهم" (٣)، وكذا والبيضاوي، والنسفي، وأبو السعود، وأبو حيان، والألوسي، والشوكاني (٤).

وقال ابن سعدي: "وصرف الله عنه كيدها، {إنه هو السميع} لدعاء الداعي {العليم} بنيته الصالحة، وبنيته الضعيفة المقتضية لإمداده بمعونته ولطفه" (٥).

[[الحكم لله وحده على اختلاف الأزمنة والأمكنة]]

قال تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة يوسف: ٤٠]


(١) التحرير والتنوير (١٢/ ٢٦٧).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٣/ ٢٤٢).
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٤٦٧).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ١٦٣)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (٢/ ١٠٩)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ٢٧٤)، البحر المحيط في التفسير (٦/ ٢٧٣)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٦/ ٤٢٧)، فتح القدير (٣/ ٢٩).
(٥) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣٩٧).

<<  <   >  >>