للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الزمخشري: "في ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث، لأن فيه ما يستنكفن منه فيحملهن على أن يتربصن، وذلك أن أنفس النساء طوامح إلى الرجال، فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص" (١)، ومثله البيضاوي، والنسفي، وابن عاشور، وابن عثيمين (٢).

[[اعتبار العرف فيما لم يثبت تحديده من الحقوق الزوجية بالكتاب والسنة]]

قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)} [سورة البقرة: ٢٢٨]

٤٥. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والآية تدل على اعتبار العرف في حقوق كل من الزوجين على الآخر ما لم يحل العرف حراما أو يحرم حلالا مما عرف بالنص، والعرف يختلف باختلاف الناس والأزمنة"، (وبعد أن أورد بعض أقوال الفقهاء) قال: "إن هذه مبالغة في إعفائهن من التكاليف الواجبة عليهن في حكم الشرع والعرف، يقابلها المبالغة في وضع التكاليف عليهن بالفعل، ولكن الجاهلين بالمذاهب الفقهية يتهمون رجالها بهضم حقوق النساء، وما هو إلا غلبة التقاليد والعادات مع عموم الجهل" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب طرق الاستدلال، في مسألة حجية العرف (٤) والاعتبار به فيما لم يثبت تحديده بالكتاب والسنة، بدلالة منطوق الآية.


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٢٧١).
(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١/ ١٤١)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ١٨٩)، التحرير والتنوير (٢/ ٣٩٠)، تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (٣/ ١٥٤).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٣٠٠ - ٣٠١).
(٤) العرف في اللغة: بمعنى المعرفة، وهو ضد النكرة، وهو: كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه. والعرف في الاصطلاح: ما يتعارفه أكثر الناس، ويجري بينهم من وسائل التعبير، وأساليب الخطاب والكلام، وما يتواضعون عليه من الأعمال، ويعتادونه من شؤون المعاملات مما لم يوجد في نفيه، ولا إثباته دليل شرعي. المهذب في علم أصول الفقه المقارن (٣/ ١٠٢٠).

<<  <   >  >>