للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الزمخشري: "من آيات ربهم للتبعيض، يعنى: وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار، إلا كانوا عنه معرضين: تاركين للنظر لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأسا، لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب فقد كذبوا مردود على كلام محذوف، كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات، فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها" (١)، وذكر ذلك الرازي والبيضاوي والنسفي وأبو حيان (٢).

[[الاستهزاء سبب التكذيب بالحق وهو سبيل غير المؤمنين]]

قال تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٥)} [سورة الأنعام: ٥]

٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وقد دلت الآية على ما جاء مصرحا به في سورة أخرى من استهزاء مشركي مكة والكلام فيهم بوعد الله ووعيده، وكذا بآياته ورسله، ولا حاجة إلى تقدير ذلك في الكلام، فهو وإن لم يقدر من بدائع إيجاز القرآن" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة الاستهزاء سبب التكذيب بالحق وهو سبيل غير المؤمنين، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: الاستهزاء سبب التكذيب بالحق وهو سبيل غير المؤمنين، كما دل على ذلك آيات عدة في القرآن، وعدم ذكر ما استهزأ به المشركون سواء وعد الله أو وعيده أو آياته ورسله، هو من باب الإيجاز وهذا من بلاغة القرآن، وهذا تفسير للقرآن بالقرآن، ويدل على صحة المقصود هنا صفة (بالحق)، وهو صيغة عموم وهذه قرينة على صحة ذلك التفسير، وهو ظاهر في الاستنباط هنا.

وقد ذكر بعض المفسرين بيان ما استهزئ به ولم يتعرضوا لمسألة الايجاز التي أشار إليها الشيخ، وهذا دليل عنايته بالبلاغة وفنونها، فهو مما تفرد به.

ومن هؤلاء المفسرين الذين تعرضوا لمعنى الاستهزاء، ابن جرير فقال: "يقول: سوف يأتيهم أخبارُ استهزائهم بما كانوا به يستهزئون من آياتي وأدلَّتي التي آتيتهم. ثم وفى لهم بوعيده لمّا تمادَوا في غيِّهم، وعَتْوا على ربهم، فقتلتهم يوم بدرٍ بالسَّيف" (٤)، والبغوي (٥).


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٥).
(٢) مفاتيح الغيب (١٢/ ٤٨٣)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٥٤)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٩٠)، البحر المحيط في التفسير (٤/ ٤٣٦).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٥٣).
(٤) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١١/ ٢٦٢).
(٥) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ١١٠).

<<  <   >  >>