للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضا: "ومنها: أن المؤمن لا وليّ له إلا ربه؛ لقوله تعالى: {أنت مولانا}؛ وولاية الله نوعان: خاصة، وعامة؛ فالولاية الخاصة ولاية الله للمؤمنين، كقوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} [البقرة: ٢٥٧]، وقوله تعالى: {والله ولي المؤمنين}، وقوله تعالى: {إن وليّ الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: ١٩٦]؛ والعامة: ولايته لكل أحد؛ فالله سبحانه وتعالى ولي لكل أحد بمعنى أنه يتولى جميع أمور الخلق؛ مثاله قوله تعالى: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون} [يونس: ٣٠] " (١).

[[إدخال السرور على المسلم مقدم على التفضل عليه بالمال]]

قال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣)} [سورة البقرة: ٢٦٣]

٥٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "إن هذه الآية مقررة لقاعدة: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، التي هي من أعظم قواعد الشريعة، ومبينة أن الخير لا يكون طريقا ووسيلة إلى الشر، ومرشدة إلى وجوب العناية بجعل العمل الصالح خاليا من الشوائب التي تفسده وتذهب بفائدته كلها أو بعضها، وإلى أنه ينبغي لمن عجز عن إحسان عمل من أعمال البر وجعله خالصا نقيا أن يجتهد في إحسان عمل آخر يؤدي إلى غايته حتى لا يحرم من فائدته بالمرة" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب حقوق المسلمين، في مسألة إدخال السرور على المسلم مقدم على التفضل عليه بالمال، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: فهم الآية أن تقديم القول والخلق الحسن في المعاملة، مقدم وأفضل من التفضل ببذل المال الذي يتبعه الأذى على المنفق عليه، لأن القول الحسن يتضمن إدخال السرور على قلب المسلم، لذا فهو أفضل من التفضل بالمال الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى الحسي والمعنوي، ودرء هذا الأذى مقدم على المنفعة المتحصلة بهذه الصدقة.

وقد أشار جمع من المفسرين إلى هذا المعنى ولكن لم يذكروا قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. ومنهم ابن جرير فقال: "المعطيَ ماله المجاهدين في سبيل الله معونةً لهم على جهاد أعداء الله. يقول تعالى ذكره: الذين يعينون المجاهدين في سبيل الله بالإنفاق عليهم وفي حَمُولاتهم، وغير ذلك من مؤنهم، ثم لم يتْبع نفقته التي أنفقها عليهم منًّا عليهم بإنفاق ذلك عليهم، ولا أذى لهم. فامتنانه به عليهم، بأن يظهر لهم أنه قد اصطنع إليهم -بفعله وعطائه الذي أعطاهموه تقوية لهم على جهاد عدوهم- معروفا، ويبدي ذلك إما بلسان أو فعل. وأما"الأذى" فهو شكايته إياهم بسبب ما أعطاهم وقوّاهم من النفقة في سبيل الله، أنهم لم يقوموا بالواجب عليهم في الجهاد، وما أشبه ذلك من القول الذي يؤذي به من أنفَق عليه، وإنما شَرَط ذلك في المنفق في سبيل الله، وأوجبَ الأجر لمن كان غير مانٍّ ولا مؤذٍ مَن أنفق عليه في سبيل الله، لأن النفقة التي هي في سبيل الله: ما ابتغي به وجه الله وطلب به ما عنده، فإذا كان معنى النفقة في سبيل الله هو ما وصفنا، فلا وجه لمنّ المنفق على من أنفق عليه، لأنه لا يدَ له قِبَله ولا صَنيعة يستحق بها عليه -إن لم يكافئه- عليها المنَّ والأذى، إذ كانت نفقته ما أنفق عليه احتسابًا وابتغاءَ ثواب الله وطلبَ مرضاته، وعلى الله مثوبته، دون من أنفق ذلك عليه" (٣).


(١) تفسير القرآن للعثيمين (٥/ ٣٦٢).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ٥٤).
(٣) جامع البيان (٥/ ٥١٧).

<<  <   >  >>