للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[تقوية قلوب المؤمنين وطمأنينتها مقصد من مقاصد الدعاء]]

قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)} [سورة الأنفال: ٩]

١. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "يصح أن يكون من مقاصده -صلى الله عليه وسلم- من الدعاء يومئذ تقوية قلوب أصحابه، وهو ما يعبر عنه في عرف هذا العصر بالقوة المعنوية، ولا خلاف بين العقلاء حتى اليوم في أنها أحد أسباب النصر والظفر، ولكن لا يصح أن يكون علم باستجابة الله له لما وجد أبو بكر في نفسه القوة والطمأنينة، فعلمه -صلى الله عليه وسلم- بربه وبوقت استجابته له أقوى وأعلى من أن يستنبطه استنباطا من حال أبي بكر رضي الله عنه" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب أعمال القلوب، في مسألة تقوية قلوب المؤمنين وطمأنينتها مقصد من مقاصد الدعاء، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: حال النبي -صلى الله عليه وسلم- وما يتصف به من الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة بنصره، بحيث إن علمه بربه وبوقت استجابته له وطمأنينة قلبه به، لا تخفى عليه حتى يدركها من موقف أبي بكر وثقته بربه وطمأنينته به، وبهذا يتحقق ما يعرف بالمعنى العصري المتداول (بالقوة المعنوية)، وهذا ربط قيم وسليم ولا خلاف أنه أحد أسباب الظفر والنصر، وهذا معنى دقيق لم يتطرق إليه المفسرون، بل اقتصرت عباراتهم على بيان معنى الاستغاثة.

والاستغاثة: طلب الغوث، وهو الإعانة على رفع الشدة والمشقة ولما كانوا يومئذ في شدة ودعوا بطلب النصر على العدو القوي كان دعاؤهم استغاثة، فاستجاب لكم أي وعدكم بالإغاثة" (٢).

قال الرازي: "في قوله: إذ تستغيثون قولان: القول الأول: أن هذه الاستغاثة كانت من الرسول عليه السلام. قال ابن عباس: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر ونظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، استقبل القبلة ومد يده وهو يقول: «اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» ولم يزل كذلك حتى سقط رداؤه ورده أبو بكر ثم التزمه ثم قال: كفاك يا نبي الله مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فنزلت هذه الآية ولما اصطفت القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره ورفع رسول الله يده بالدعاء المذكور.

القول الثاني: أن هذه الاستغاثة كانت من جماعة المؤمنين لأن الوجه الذي لأجله أقدم الرسول على الاستغاثة كان حاصلا فيهم، بل خوفهم كان أشد من خوف الرسول، فالأقرب أنه دعا عليه السلام وتضرع على ما روي، والقوم كانوا يؤمنون على دعائه تابعين له في الدعاء في أنفسهم فنقل دعاء رسول الله لأنه رفع بذلك الدعاء صوته، ولم ينقل دعاء القوم، فهذا هو طريق الجمع بين الروايات المختلفة في هذا الباب. " (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٥٠٣).
(٢) التحرير والتنوير (٩/ ٢٧٤).
(٣) مفاتيح الغيب (١٥/ ٤٥٩).

<<  <   >  >>