للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[رحمة الله بالناس ببيانه ما حل لهم وما حرم عليهم]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)} [سورة البقرة: ١٧٢]

٢٥. قال الشيخ -رحمه الله-: "الأمر هنا للوجوب لا للإباحة، والطيبات ما طاب كسبه من الحلال، ويستلزم عدم تحريم شيء منها والامتناع عنها تدينا لتعذيب النفس، وهذا تنبيه بعد ما تقدم إلى عدم الالتفات إلى أولئك الحمقى الذين أبيحت لهم خيرات الأرض فطفقوا يحلون بعضها ويحرمون بعضا بوساوس شياطينهم وتقليد رؤسائهم" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب المباحات، في مسألة رحمة الله بالناس ببيانه لما حل لهم وما حرم عليهم، من خلال دلالة وجوب الأمر في الآية.

وجه الاستنباط: الآية بينت رحمة الله بالناس بأن أحل لهم وفصل ما ينتفعون به، فلا ينبغي لأحد مهما علت منزلته أن يأتي بحكم يخالف فيه حكم الله في تحريم شيء أو تحليل شيء لا تدينا ولا اجتهادا إلا بعد أمر الله، وهذا ما عاب عليه الشيخ الرهبان وأهل العقائد الفاسدة ممن ينتمي للإسلام، الذين حرموا على أنفسهم الطيبات التي أحل الله لهم تقربا إلى الله بذلك الفعل، وأن الله لم يطلب منهم تحريم شيء منها، ولكن عقائدهم المنحرفة واتباعهم لأهوائهم هو سبب تحريمهم لها.

قال بعض المفسرين: الآية هنا أفادت الإباحة على الإطلاق (٢)، وقيل: فيه دليل على أن العبد لا يمكنه أن يحرم على نفسه ما أحله اللّه تعالى له بعقده وقصده" (٣).

وقال الجصاص (٤): "وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول الممتنعين من أكل اللحوم والأطعمة اللذيذة تزهدا، لأن اللّه تعالى قد نهى عن تحريمها وأخبر بإباحتها في قوله: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً}، ويدل على أنه لا فضيلة في الامتناع من أكلها" (٥)، ووافقهم جمع من المفسرين (٦).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٧٧).
(٢) مفاتيح الغيب (٥/ ١٩٠)، الجامع لأحكام القرآن (٢/ ٢١٦).
(٣) أحكام القرآن، الكيا هراسي (٣/ ٨٧).
(٤) أحمد بن علي الرَّازي، أبو بكر الجصاص، الإمام العلامة المفتي المجتهد، علم العراق انتهت إليه رئاسة الحنفية، وخوطب في أن يلي القضاء فامتنع، وألف كتاب (أحكام القرآن)، وكتابا في (أصول الفقه) توفي سنة ٣٧٠ هـ، سير أعلام النبلاء ط الحديث (١٢/ ٣٤٤)، الأعلام للزركلي (١/ ١٧١).
(٥) أحكام القرآن، للجصاص (٤/ ١١٠).
(٦) كابن العربي في أحكام القرآن (٢/ ١٢٢)، والرازي في مفاتيح الغيب (١٢/ ٥٩)، وابن عاشور في التحرير والتنوير (٧/ ١٦)، وابن سعدي في تفسيره (٣٤٤).

<<  <   >  >>