للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ونكتة هذه الجملة [تُعَلِّمُونَهُنَّ] على القول بأنها حالية مراعاة استمرار تعاهد الجوارح بالتعليم؛ لأن إغفالها ينسيها ما تعلمت، فتصطاد لنفسها ولا تمسك على صاحبها، وإمساكها عليه شرط لحل صيدها، نص عليه في الجملة التي بعد هذه، وهذا التعليل الذي ألهمنيه الله -تعالى- أظهر مما قالوه من أنه المبالغة في اشتراط التعليم" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الصيد، في مسألة استمرار تعاهد الجوارح بالتعليم شرط لحل صيدها، بدلالة السياق.

وجه الاستنباط: تعليم الجوارح الصيد منصوص عليه في الآية التي بعدها {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [سورة المائدة: ٤]، والمعنى الظاهر في الآية هو إفادة الجملة الحالية معنى وجوب استمرار تعاهد الجوارح بالتعليم، وهو وجه من أوجه المبالغة في التعليم، لضمان بقاء قصد الصيد لصاحبها لا لنفسها، فإن هذا شرط في حل الصيد، وهذا أظهر من أن تكون الجملة للمبالغة في اشتراط التعلم.

وهو مما انفرد به الشيخ حيث إن ما وقفت عليه من تفاسير المفسرين بين أن المعنى أن يتخذ معلما حاذقا، مبالغة في اشتراط التعليم ولم يذكر تعاهد التعلم خوفا من نسيانه.

وأقرب من تكلم عن العناية بالتعليم الزمخشري من جانب اختيار المعلم الحاذق، فقال: "وانتصاب مكلبين على الحال من علمتم. فإن قلت ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم؟ قلت: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريرا في علمه مدربا فيه، موصوفا بالتكليب، وتعلمونهن حال ثانية أو استئناف، وفيه فائدة جليلة، وهي أن على كل آخذ علما ألا يأخذه إلا من أقتل أهله علما وأنحرهم دراية وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل، فكم من آخذ عن غيره متقن، قد ضيع أيامه وعض عند لقاء النحارير أنامله" (٢)، ونقل ذلك عنه الرازي (٣)، وزاد: "وتعلمونهن حال ثانية أو استئناف، والمقصود منه المبالغة في اشتراط التعليم".

وقال البيضاوي: "وانتصابه على الحال من علمتم وفائدتها المبالغة في التعليم" (٤)، وكذا الألوسي (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ١٤٢).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٦٠٦).
(٣) مفاتيح الغيب (١١/ ٢٩٢).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١١٥).
(٥) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٣/ ٢٣٦).

<<  <   >  >>