للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو زهرة: "وقد قرن إقامة الصلاة وأداء الزكاة؛ لأنها أمارات الإيمان العملية، ولكي يخرج الكافر مما كان عليه لَا بد من مظهر عملي دال على الخروج مما كان عليه، فكانت إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة دليلا على انخلاعه من دينه القديم، وأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تثبت الإيمان، وبيان الإذعان الكامل لما أمر الله تعالى به، ونهى عنه.

وجواب الشرط (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ) هو قوله تعالى: (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) أي فقد دخلوا في الإسلام، وصاروا إخوانكم، وعبَر بقوله تعالى: (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) للإشارة إلى أنهم دخلوا في الأخوة الإسلامية، وهي عهد الله الجامع الذي لَا تفرق فيه، ولا تتجافى القلوب بل تتواد وتتراحم بعرى الإيمان الوثيقة" (١).

[[الإيمان الصحيح يحقق خشية الله في قلب المؤمن وقوته وشجاعته]]

قال تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣)} [سورة التوبة: ١٣]

٣. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وفيه دليل على أن المؤمن حق الإيمان يكون أشجع الناس وأعلاهم همة؛ لأنه لا يخشى إلا الله عز وجل " (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة الإيمان الصحيح يحقق خشية الله في قلب المؤمن وقوته وشجاعته، بدلالة لفظة الخشية.

وجه الاستنباط: المؤمن إذا حقق الإيمان الصحيح كانت نتيجته قيام خشية الله في قلبه، فيستقر في قلبه عدم الخوف إلا من الله وعلى هذا يكون أقوى وأشجع، لأنه يعلم أن الله أقوى من كل شيء، وأن هؤلاء لن يضروه شيئا.

قال ابن جرير: "يقول: أتخافونهم على أنفسكم فتتركوا قتالهم خوفًا على أنفسكم منهم (فالله أحق أن تخشوه)، يقول: فالله أولى بكم أن تخافوا عقوبته بترككم جهادهم، وتحذروا سخطه عليكم، من هؤلاء المشركين الذين لا يملكون لكم ضرًّا ولا نفعًا إلا بإذن الله، (إن كنتم مؤمنين)، يقول: إن كنتم مقرِّين أن خشية الله لكم أولى من خشية هؤلاء المشركين على أنفسكم" (٣).

قال الزمخشري: "أتخشونهم تقرير بالخشية منهم وتوبيخ عليها فالله أحق أن تخشوه فتقاتلوا أعداءه إن كنتم مؤمنين يعنى أن قضية الإيمان الصحيح ألا يخشى المؤمن إلا ربه، ولا يبالي بمن سواه، كقوله تعالى ولا يخشون أحدا إلا الله" (٤)، ونقل ذلك أبو حيان (٥).


(١) زهرة التفاسير (٦/ ٣٢٤٠).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٠/ ١٧٧).
(٣) جامع البيان ت شاكر (١٤/ ١٥٨).
(٤) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٢٥٢).
(٥) البحر المحيط في التفسير (٥/ ٣٨٢).

<<  <   >  >>