للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "المولود له هو الأب، ووجه اختيار هذا التعبير على لفظ الوالد والأب هو الإشعار بأن الأولاد لآبائهم، لهم يدعون وإليهم ينسبون، فالتعبير بالمولود له مقابل التعبير بالوالدات، واختير للتنبيه على علة وجوب النفقة كأنه يقول: إن هؤلاء الوالدات قد حملن وولدن لك أيها الرجل، وهذا الولد الذي يرضعنه ينسب إليك، ويحفظ سلسلة نسبك من دونهن، فعليك أن تنفق عليهن ما يكفيهن حاجات المعاش من الطعام واللباس ليقمن بذلك حق القيام، فاختيار لفظ (الْمَوْلُودِ لَهُ) هنا على لفظ الأب والوالد هو الذي تقضي به البلاغة قضاء مبرما، وبه يستفاد ما لا يستفاد بهما، وأين نجد هذه الدقة في غير القرآن العزيز" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا لغويا، في باب دلالات الألفاظ، في مسألة الأولاد ينسبون إلى آبائهم بدلالة لفظ (الأب) بدلالة المقابلة.

وجه الاستنباط: بلاغة القرآن في التعبير بأساليب متنوعة تضفي على المفردات معاني عظيمة وأحكاما جليلة، وهنا جاء بألفاظ متقابلة لكن لكل منها أحكاما خاصة، فالوالدات هن من حملن وولدن، وجاء في مقابلتهن المولود وهو الأب الذي ينتسب إليه الأولاد وتجب عليه نفقتهم.

قال الزمخشري: "وعلى المولود له أي الوالد فإن الولد يولد له وينسب اليه وتغيير العبارة للإشارة الى المعنى المقتضى لوجوب الإرضاع ومؤنة المرضعة عليه" (٢).

وقال الرازي: " (الْمَوْلُودِ لَهُ) هو الوالد وإنما عبر عنه بهذا الاسم لوجوه وذكر منها:

أن هذا تنبيه على أن الولد إنما يلتحق بالوالد لكونه مولوداً على فراشه على ما قال -صلى الله عليه وسلم- (الولد للفراش)، فكأنه قال إذا ولدت المرأة الولد للرجل وعلى فراشه وجب عليه رعاية مصالحه فهذا تنبيه على أن سبب النسب واللحاق مجرد هذا القدر.

وأيضا: أنه قيل في تفسير قوله: {قَالَ ابْنَ أُمَّ} [سورة الأعراف: ١٥٠] أن المراد منه أن الأم مشفقة على الولد فكان الغرض من ذكر الأم تذكير الشفقة فكذا ههنا ذكر الوالد بلفظ المولود له تنبيهاً على أن هذا الولد إنما ولد لأجل الأب فكان نقصه عائداً إليه ورعاية مصالحه لازمة له كما قيل كلمة لك وكلمة عليك" (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٣٢٦).
(٢) انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٥٢٤)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (١/ ٢٣٠).
(٣) مفاتيح الغيب (٦/ ١٠٢).

<<  <   >  >>