للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو جعفر: "وهذا إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى ذكره لهم: من يطع منكم، أيها الناس، محمدًا فقد أطاعني بطاعته إياه، فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي" (١).

وقال البغوي: "وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن أحبني فقد أحب الله» فقال بعض المنافقين: ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم ربا، فأنزل الله تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله" (٢).

وقال ابن عطية: "والمعنى أن الرسول إنما يأمر وينهى بيانا من الله وتبليغا، فإنما هي أوامر الله ونواهيه، وقالت فرقة: سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبني فقد أحب الله»، فاعترضت اليهود عليه في هذه المقالة، وقالوا: هذا محمد يأمر بعبادة الله وحده، وهو في هذا القول مدّع للربوبية، فنزلت هذه الآية تصديقا للرسول عليه السلام، وتبيينا لصورة التعلق بينه وبين فضل الله تعالى" (٣)، وبمثله قال البيضاوي (٤).

[[التوحيد كرامة المؤمن وبه ارتقاؤه وكماله]]

قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [سورة النساء: ٨٠]

١٦. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ويؤخذ من هذا أن المؤمن الموحد يكون أعز الناس نفسا، وأعظمهم كرامة، وأنه لا يقبل أن يستبد فيه حاكم، ولا أن يستعبده سلطان ظالم، وما قوي الاستبداد في المسلمين إلا بضعف التوحيد فيهم، فالتوحيد هو منتهى ما تصل إليه النفوس البشرية من الارتقاء والكمال" (٥).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب التوحيد، في مسألة التوحيد كرامة المؤمن وبه ارتقاؤه وكماله، بدلالة مفهوم المخالفة.

وجه الاستنباط: أهمية التوحيد في كرامة المؤمن وتقوية شخصيته، فإنه لا يقبل بالظلم ولا بالإهانة، حيث إن التوحيد هو تحرير للإنسان من كل عبودية إلا لله عز وجل، وتحرير لعقله من الخرافات والأوهام، وتحرير لحياته من تسلط الأرباب والمتألهين، فوجد به من يوجه حياته وغاياته، ويرسم له طريقا يتجه فيه في خلواته وجلواته وهو طريق الله جل جلاله، فبالتوحيد تمتلئ النفس أمناً وطمأنينة، فلا يجد خوفا على رزق أو أجل، فيعيش مطمئناً لأنه وجد في التوحيد مصدرا لقوة نفسه فامتلأت نفسه رجاء بالله وثقة به وتوكلا عليه ورضا بقضائه وصبرا على بلائه، فمن أطاع الله وأطاع رسوله فقد حقق التوحيد وحق على الله أن يكرمه على هذا.


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (٨/ ٥٦١).
(٢) معالم التنزيل في تفسير القرآن (١/ ٦٦٦).
(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٨٢).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٨٦).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٢٢٥).

<<  <   >  >>