للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[الأعمال الظاهرة دليل على ما في القلب من صلاح أو فساد]]

قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (٢٠٤)} [سورة البقرة: ٢٠٤]

٣٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "في الآية دليل على أن تلك الصفات الظاهرة المحمودة، لا تكون محمودة مرضية عند الله تعالى إلا إذا أصلح صاحبها عمله فإن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والأقوال، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، وهي ترشدنا إلى التمييز بين الناس بأعمالهم وسيرتهم وعدم الاغترار بزخرف القول" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب أعمال القلوب، في مسألة الأعمال الظاهرة دليل على ما في القلب من صلاح أوفساد، بدلالة المخالفة.

وجه الاستنباط: أعمال القلوب تظهر على الجوارح، وليست الجوارح بمعزل عما في قلوب أصحابها، فالإنسان مهما حاول إظهار محاسن الأخلاق التي لم يصدق فيها مع الله، فإن الله يظهر حقيقته مهما حاول إخفاءها، لأن الله لا ينظر إلى الصور والأشكال ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، وكما قيل: كل إناء بما فيه ينضح.

قال الجصاص: "فيه تحذير من الاغترار بظاهر القول وما يبديه من حلاوة المنطق والاجتهاد في تأكيد ما يظهره، فأخبر اللّه تعالى أن من الناس من يظهر بلسانه ما يعجبك ظاهره: {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [سورة البقرة: ٢٠٤]، وهذه صفة المنافقين مثل قوله تعالى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [سورة المنافقون: ١]، وقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [سورة المنافقون: ٤]، فأعلم اللّه تعالى نبيه ضمائرهم لئلا يغتر بظاهر أقوالهم وجعله عبرة لنا في أمثالهم لئلا نتكل على ظاهر أمور الناس وما يبدونه من أنفسهم" (٢)، ووافقهم أبو حيان والقرطبي وابن عاشور وابن عثيمين (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ١٩٩).
(٢) أحكام القرآن (١/ ٣٩٦).
(٣) البحر المحيط (٢/ ٣٢٥)، الجامع لأحكام القرآن (٣/ ١٥)، والتحرير والتنوير (٢/ ٢٥٨)، تفسير ابن عثيمين (٢/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>