للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة أهل الأهواء يَضلون في أنفسهم ويُضلون غيرهم لزاما، بدلالة الجمع.

وجه الاستنباط: بيّن من خلال الجمع بين القراءات أن أمر الاضلال متحقق بالقراءتين الفتح والضم، وهذا من إيجاز القرآن العجيب، فالضلال في أنفسهم والإضلال لغيرهم واقع بهؤلاء لا محالة، وهو من أنفسهم وليس من وحي مقتبس، ولا حجة مستنبطة.

وقد ذكر فائدة القراءتين ابن عاشور فقال: "وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب: ليضلون - بفتح الياء- على أنهم ضالون في أنفسهم، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف - بضم الياء- على معنى أنهم يضللون الناس، والمعنى واحد، لأن الضال من شأنه أن يضل غيره، ولأن المضل لا يكون في الغالب إلا ضالا، إلا إذا قصد التغرير بغيره، والمقصود التحذير منهم وذلك حاصل على القراءتين" (١) (٢).

قال أبو جعفر: "وأَولى القراءتين بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ: (وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ)، بمعنى: أنهم يضلون غيرهم، وذلك أن الله جل ثناؤه أخبرَ نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن إضلالهم من تبعهم، ونهاه عن طاعتهم واتباعهم إلى ما يدعونه إليه، فقال: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، ثم أخبر أصحابه عنهم بمثل الذي أخبره عنهم، ونهاهم من قبول قولهم عن مثل الذي نهاه عنه، فقال لهم: وإن كثيرًا منهم ليضلونكم بأهوائهم بغير علم، نظيرَ الذي قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) " (٣).

وقال ابن عطية: "وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ليضلون» بفتح الياء على معنى إسناد الضلال إليهم في هذه السورة وفي يونس رَبَّنا لِيُضِلُّوا [الآية: ٨٨] وفي سورة إبراهيم أَنْداداً لِيُضِلُّوا [الآية: ٣٠] وفي الحج ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ [الآية: ٩]، وفي لقمان لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الآية: ٦] وفي الزمر أَنْداداً لِيُضِلَّ [الزمر: ٨]، وقرأ نافع وابن عامر كذلك في هذه وفي يونس وفي الأربعة التي بعد هذه يضمان الياء على معنى إسناد إضلال غيرهم إليهم، وهذه أبلغ في ذمهم لأن كل مضل ضال وليس كل ضال مضلا، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي في المواضع الستة «ليضلون» بضم الياء على معنى إسناد إضلال غيرهم إليهم" (٤)، ومثله الرازي وأبو حيان (٥).


(١) التحرير والتنوير (٨ - أ/ ٣٥).
(٢) السبعة في القراءات (ص: ٢٦٧)، شرح طيبة النشر لابن الجزري (ص: ٢٢٨)، الحجة في القراءات السبع (ص: ١٤٨)، الوافي في شرح الشاطبية (ص: ٢٦٥).
(٣) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٢/ ٧٢).
(٤) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٣٣٩).
(٥) مفاتيح الغيب (١٣/ ١٢٩)، البحر المحيط في التفسير (٤/ ٦٣١).

<<  <   >  >>