للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن عاشور: "والمراد بالتمام معنى مجازي: إما بمعنى بلوغ الشيء إلى أحسن ما يبلغه مما يراد منه، فإن التمام حقيقته كون الشيء وافرا أجزاؤه، والنقصان كونه فاقدا بعض أجزائه، فيستعار لوفرة الصفات التي تراد من نوعه وإما بمعنى التحقق فقد يطلق التمام على حصول المنتظر وتحققه، يقال: تم ما أخبر به فلان، ويقال: أتم وعده، أي حققه" (١).

[تغيّر أحكام العادات بتغيّر النيات]

قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨)} [سورة الأنعام: ١١٨]

٢٣. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وحكمة الاهتمام بهذه المسألة وقرنها بمسائل العقائد هو أن مشركي العرب وغيرهم من أهل الملل جعلوا الذبائح من أمور العبادات، بل نظموها في سلك أصول الدين والاعتقادات، فصاروا يتعبدون بذبح الذبائح لآلهتهم ومن قدسوا من رجال الدين، ويهلون لهم بها عند ذبحها وهذا شرك بالله. ثم قال: وقد غفل عن هذا المعنى بعض كبار المفسرين" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب النية، في مسألة تغيّر أحكام العادات بتغيّر النيات، مفهوم المخالفة.

وجه الاستنباط: دلت الآية على تحريم الأكل من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها، وقد نصت الآية التالية في هذه السورة على هذا الحكم، وخص الذبح بالتحريم عن باقي أصناف الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه، لأن المشركين وغيرهم جعلوا الذبح من أمور العبادات التي يتقرب بها إلى آلهتهم، لذا جاء الأمر بحل الأكل من ذبائح المؤمنين التي ذكر اسم الله عليها تقربا إلى الله على الوجه الذي شرعه كالأضحية والعقيقة وغيرها، ومما ذبحه أهل الكتاب، دون ما ذبحه المشركون من أهل الأوثان ومَنْ لا كتاب له كالمجوس.

قال البغوي: "كلوا مما ذبح على اسم الله، إن كنتم بآياته مؤمنين، وذلك أنهم كانوا يحرمون أصنافا من النعم ويحلون الأموات، فقيل لهم: أحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله" (٣).

قال الزمخشري: "فكلوا مسبب عن إنكار اتباع المضلين، الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال. وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله، فما قتل الله أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم، فقيل للمسلمين: إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مما ذكر اسم الله عليه خاصة دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم أو مات حتف أنفه" (٤).


(١) التحرير والتنوير (٨ - أ/ ١٨).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ١٥).
(٣) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ١٥٤).
(٤) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٦١).

<<  <   >  >>