للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال النسفي: " {فِي الأرض ما لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} التمكين في البلاد إعطاء المكنة والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عادا وثمود وغيرهم من البسطة" (١). ومثله البيضاوي (٢).

وقال القرطبي: " (مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) خروج من الغيبة إلى الخطاب، عكسه وقال أهل البصرة: أخبر عنهم بقوله "ألم يروا"، وفيهم محمد عليه السلام وأصحابه، ثم خاطبهم معهم، والعرب تقول: قلت لعبد الله ما أكرمه: وقلت لعبد الله ما أكرمك، ولو جاء على ما تقدم من الغيبة لقال: ما لم نمكن لهم" (٣).

وقال أبو حيان: "وفي هذا الالتفات تعريض بقلة تمكين هؤلاء ونقصهم عن أحوال من سبق، ومع تمكين أولئك في الأرض فقد حل بهم الهلاك، فكيف لا يحل بكم على قلتكم وضيق خطتكم؟ فالهلاك إليكم أسرع من الهلاك إليهم" (٤).

وقال ابن عاشور: "والخطاب في قوله: لكم التفات موجه إلى الذين كفروا لأنهم الممكنون في الأرض وقت نزول الآية، وليس للمسلمين يومئذ تمكين" (٥)، ومثله الألوسي (٦).

[[استخدام أسلوب السؤال والجواب للدعوة وتقرير الحجة]]

قال تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢)} [سورة الأنعام: ١٢]

٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ثم قفى سبحانه على ذلك بتلقينه في هذه الآيات أسلوبا آخر من إقامة الحجج على قومه، وهو أسلوب السؤال والجواب، في موضع فصل الخطاب وإن كان تكرارا لمعنى سبق أو اشتمل على التكرار، وحكمة ذلك أن التنويع في الاحتجاج والتفنن في أساليبه من ضروريات الدعوة إلى الدين وإلى غير الدين من المقاصد البشرية أيضا لأن التزام دليل واحد على المطلوب الذي لا بد من تكرار ذكره، أو إيراد عدة أدلة بأسلوب واحد قد يفضي إلى سآمة الداعي من التكرار على رغبته في الدعوة وتفانيه في نشرها وإثباتها، فكيف يكون تأثيره في المدعوين الكارهين له ولها، إذا لم يعقلوا الدليل الأول أو لم تتوجه قلوبهم إلى تدبر الأسلوب الواحد المشتمل على عدة أدلة" (٧).


(١) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٩١).
(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٥٤).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٣٩٢).
(٤) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٤٣٨).
(٥) التحرير والتنوير (٧/ ١٣٨).
(٦) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٤/ ٩٠).
(٧) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٧١).

<<  <   >  >>