للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزاد القرطبي: "هذه ثمرة الاستغفار والتوبة، أي يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيش، ولا يستأصلكم بالعذاب كما فعل بمن أهلك قبلكم" (١).

[[جزاء الآخرة غير جزاء الدنيا في وفائه وبخسه]]

قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥)} [سورة هود: ١٥]

٢. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وكرر لفظ (فيها) للتأكيد والإعلام بأن الآخرة ليست كالدنيا في وفاء كيل الجزاء وفي بخسه، فإنه فيها منوط بأمرين: كسب الإنسان، ونظام الأقدار، وقد يتعارضان، وأما جزاء الآخرة فهو بفعل الله - تعالى - مباشرة: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [سورة الكهف: ٤٩] " (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الأيمان باليوم الآخر، في مسألة جزاء الآخرة غير جزاء الدنيا في وفائه وبخسه، بدلالة الإشارة.

وجه الاستنباط: دل تكرار اللفظ على تأكيد المعنى والإعلام بأن جزاء الآخرة غير جزاء الدنيا، فهو خاضع لمشيئة الله وإرادته، فهو الملك والمالك لذلك الموقف، بينما جزاء الدنيا قد جعله الله نتيجة لبذل الإنسان وقدر الله العدل في ذلك، ولا يتأتي بيان ذلك بمثل تكرار اللفظ فيها.

وباستقراء أقوال المفسرين، تبين أنهم لم يتعرضوا لمسألة التكرار وإنما فسروا الجزاء فيها بأقوال منها:

ما قاله البيضاوي: "وهم فيها لا يبخسون لا ينقصون شيئا من أجورهم" (٣).

وقال النسفي: "نوصل إليهم أجور أعمالهم وافيه كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة الرزق وهم الكفار أو المنافقون" (٤)، وبنحوه قال الشوكاني (٥).

وقال الألوسي: " {وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ} أي لا ينقصون، والظاهر أن الضمير المجرور -للحياة الدنيا- وقيل: الأظهر أن يكون للأعمال لئلا يكون تكرارا بلا فائدة، وردّ بأن فائدته إفادته من أول الأمر أن عدم البخس ليس إلا في الدنيا فلو لم يذكر توهم أنه مطلق على أنه لا يجوز أن يكون للتأكيد ولا ضرر فيه، وإنما عبر عن ذلك بالبخس الذي هو نقص الحق" (٦).


(١) الجامع لأحكام القرآن (٩/ ٤).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ٤١).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ١٣٠).
(٤) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (٢/ ٥١).
(٥) فتح القدير (٢/ ٥٥٣).
(٦) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٦/ ٢٢٥).

<<  <   >  >>