للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[اشتراط الكفر بالطاغوت في تحقق الإيمان]]

قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)} [سورة البقرة: ٢٥٦]

٥٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "التعبير بالاستمساك يدل على أن من لم يكفر بجميع مناشئ الطغيان، ويعتصم بالحق اليقين من أصول الإيمان، فهو لا يعد مستمسكا بالعروة الوثقى وإن انتمى في الظاهر إلى أهلها، أو إلى ما بها إلمام الممسك بها، فالعبرة بالاعتصام والاستمساك" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة اشتراط الكفر بالطاغوت في تحقق الإيمان، من دلالة لفظ الاستمساك.

وجه الاستنباط: عد الشيخ -رحمه الله- الكفر بمناشئ الطغيان شرطاً ثامنا من شروط لا إله إلا الله، وهو: الكفر بما يعبد من دون الله، وهو أن يعتقد بطلان عبادة من سوى الله عز وجل، وأن كل المعبودات سوى الله باطلة، وجدت نتيجة جهل المشركين وضلالهم؛ فمن أقرهم على شركهم، أو شك في بطلان ما هم عليه؛ فليس بموحد، ولو قال لا إله إلا الله، ولو لم يعبد غير الله.

ثم إن لفظة الاستمساك فيها إشارة إلى قوة الاستمساك بها، فقد عبر بالكلمة بأطول مبنى لغوي، ومن المعروف أن الزيادة في المبنى زيادة في المعنى. وإن نصوص الشرعية خاطبت من حقق الاستمساك الواجب وليس أصل الاستمساك أو مجرده، لأن هذا يعد ضعف في الدين، ولذا جاء التأكيد بأقوى ما يمكن، فبالغ في التمسك بها كأنه وهو ملتبس به يطلب من نفسه الزيادة فيه والثبات عليه (٢).

يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن الكفر بما يعبد من دون الله: "وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله؛ فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال؛ بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يرحم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه" (٣)، وأن من الأدلة على هذا الشرط: قول الله عز وجل: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٥٦) (٤)، وعليه فإن كلمة التوحيد لا تتحقق إلا به، وأن من أقر على الشرك أو شك فيه فليس بموحد (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ٣٢).
(٢) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (١/ ٢٥٠).
(٣) كتاب التوحيد، للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص ٣٣.
(٤) المفيد في مهمات التوحيد (ص: ٧٦).
(٥) انظر الشهادتان: معناهما، وما تستلزمه كل منهما، الشيخ ابن جبرين ص ٧٨.

<<  <   >  >>