للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الكفر، في مسألة لفظة الكفر والظلم في القرآن تشمل الأكبر والأصغر منهما، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: ما يقوم به الناس اليوم من ظلم وجور فيما بينهم إنما هو مبني على ظن منهم واعتقاد عام عندهم أن الكفر والظلم يقصد بهما الأكبر منهما، من جحود ألوهية الله أو نبوة أحد من رسله، ونسوا أنواع الكفر والظلم الأخرى، بناءً على تخصيصهم لهذا المعنى وعدم العلم بالمعاني العامة له، وهذا له أثر كبير في التساهل في الوقوع في المعصية في أعمال هي ظلم وكفر.

قال الزمخشري: "والكافرون هم الظالمون أراد والتاركون الزكاة هم الظالمون، فقال (والكافرون) للتغليظ، كما قال في آخر آية الحج (من كفر) مكان: ومن لم يحج، ولأنه جعل ترك الزكاة من صفات الكفار في قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [سورة فصلت: ٦ - ٧] " (١)، ومثله البيضاوي (٢).

وقال أبو حيان: "والكافرون هم الظالمون يعني الجائرين الحد، قال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: والكافرون، ولم يقل: والظالمون هم الكافرون، ولو نزل هكذا لكان قد حكم على كل ظالم، وهو من يضع الشيء في غير موضعه، بالكفر، فلم يكن ليخلص من الكفر كل عاص إلا من عصمه الله من العصيان" (٣).

وقال الشوكاني: "والكافرون هم الظالمون فيه دليل على أن كل كافر ظالم لنفسه، ومن جملة من يدخل تحت هذا العموم مانع الزكاة منعا يوجب كفره، لوقوع ذلك في سياق الأمر بالإنفاق" (٤).

قال ابن عاشور: "والمراد بالكافرين ظاهرا المشركون، وهذا من بدائع بلاغة القرآن، فإن هذه الجملة صالحة أيضا لتذييل الأمر بالإنفاق في سبيل الله، لأن ذلك الإنفاق لقتال المشركين الذين بدأوا الدين بالمناوأة، فهم الظالمون لا المؤمنون الذين يقاتلونهم لحماية الدين والذب عن حوزته، وذكر الكافرين في مقام التسجيل فيه تنزيه للمؤمنين عن أن يتركوا الإنفاق إذ لا يظن بهم ذلك، فتركه والكفر متلازمان، فالكافرون يظلمون أنفسهم، والمؤمنون لا يظلمونها" (٥).


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٢٩٩).
(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١/ ١٥٣).
(٣) البحر المحيط (٢/ ٦٠٦).
(٤) فتح القدير (١/ ٣١٠).
(٥) التحرير والتنوير (٣/ ١٦).

<<  <   >  >>