للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب السياسة الشرعية، في مسألة الدعوة إلى بناء الكوادر الفعالة في شتى المجالات وعدم الاعتماد على الأفراد، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: أن هذه الآية بينت قاعدة مهمة للأمة وضرورة وأهمية بناء الكوادر الفعالة بالتعليم والتدريب في كل مجال، ولا تحصر القيادات في شخصيات معينة فإذا انهزمت في معركة أو ماتت تموت من بعدها الأمة، بل يكون هناك من يقوم بإكمال المعركة وإكمال المسير وإكمال النهضة.

قال أبوحيان: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل هذا استمرار في عتبهم آخر أن محمدا رسول كمن مضى من الرسل، بلغ عن الله كما بلغوا. وليس بقاء الرسل شرطا في بقاء شرائعهم، بل هم يموتون وتبقى شرائعهم يلتزمها أتباعهم. فكما مضت الرسل وانقضوا، فكذلك حكمهم هو في ذلك واحد" (١).

قال الهرري: "في هذه الآية هداية وإرشاد إلى أنه لا ينبغي أن يكون استمرار الحرب، أو عدم استمرارها، ذا صلة بوجود القائد إذا قتل أو أنهزم الجيش أو استسلم القائد، بل يجب أن تكون المصالح العامة جارية على نظام ثابت لا يزلزله فقد الرؤساء، ومن توابع هذا النظام أن تعد الأمة لكل أمر عدته، فتوجد لكل عمل رجالاً كثيرين حتى إذا فقد معلما أو مرشداً أو قائداً أو حكيماً أو رئيساً وجدت الكثير ممن يقوم مقامه ويؤدي لها من الخدمة ما كان يؤديه" (٢)، ومثله الشيخ الدوسري (٣).

قال ابن سعدي: "وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم أو عن بعض لوازمه، فقدُ رئيس ولو عظم، وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه، إذا فقد أحدهم قام به غيره، وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله، والجهاد عنه، بحسب الإمكان، لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس، فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم، وتستقيم أمورهم" (٤).

[[معنى زيادة الإيمان]]

قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)} [سورة آل عمران: ١٧٣]

١٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وكان من قوة إيمانهم وزيادته أن أقدموا - وهم عدد قليل قد أثخنوا بالجراح - على محاربة الجيش الكبير، فالزيادة كانت في الإذعان النفسي، والشعور القلبي، وتبعها الزيادة في العمل، بعد ذلك القول الدال على ما انطوت عليه النفس من اليقين بوعد الله ووعيده، والشعور بعزته وسلطانه، ولولا ذلك لم يكن لهم حول ولا قوة على تلك الاستجابة والإقدام على ما كاد يكون وراء حدود الإمكان، فمن يقول إن الإيمان النفسي لا يزيد ولا ينقص فقد نظر إلى الاصطلاحات اللفظية لا إلى نفسه في إدراكها وشعورها وقوتها في الإذعان وضعفها" (٥).


(١) البحر المحيط في التفسير (٣/ ٣٦٢).
(٢) الهرري في حدائق الروح والريحان (٥/ ١٦٣).
(٣) صفوة الآثار والمفاهيم (٤/ ٣٣١).
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ١٥١).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ١٩٧).

<<  <   >  >>